وقناعة، كيف والأحاديث عنهم في أمثال هذا حجة لا تحصى وكثيرة لا تستقصى.
الجواب عن المؤيد الثالث الغلو:
ليس كلما يستعظمه المرء يكون غلوا، وكلما يستكبره الإنسان يكون خروجا عن الحد الأوسط، وإفراطا في الاعتقاد.
إن الغلو إنما يكون فيما إذا استلزم القول والاعتقاد فيهم إخراجهم عن ناموس البشر، وجعلهم أربابا، أو شركاء للخالق الرازق سبحانه في خلق أو رزق، أو ما سواهما مما اختص به الله جل شأنه. ومهما اعتقدنا فيهم من سعة العلم، أو ما سوى ذلك من الصفات الغالية، فلا نعتقد فيهم إلا أنهم بشر مخلوقون مربوبون مرزوقون على سنن سائر البشر.
وأما الاعتقاد فيهم بأن الله منحهم مواهب جليلة، وصفات نبيلة، لا يبلغ مداها ولا يعرف كنهها، فليس من الغلو في شئ إذ لا يلزم من ذلك خروجهم عن البشرية، أو مشاركتهم لله سبحانه في شئ من صفاته الخاصة.
ومهما اعتقدنا فيهم من شئ فلا نبلغ فيه مراقيهم القدسية الرفيعة ولو لم يعلموا أننا لا نصل إلى تلك الرتب السامية التي يعرفونها لأنفسهم، لما قالوا لنا: نزهونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم).