موته ولو علم أن الثلث خير له أوصى به. ثم من قد علمتم من بعده في فضله وزهده سلمان وأبو ذر رضي الله عنهما فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل فقيل له: يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا فكان جوابه أن قال: ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم علي الفناء أوما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها فإذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت.
وأما أبو ذر فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم أو نزل به ضيف أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور أو من الشياه قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم فيقسمه بينهم ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضل عليهم ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما قال ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بالبقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون به على أنفسهم وعيالاتهم.
واعلموا أيها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال يوما ما عجبت من شئ كعجبي من المؤمن أن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيرا له فكل ما يصنع الله به كان خيرا له فليت شعري هل يحيق فيكم ما قد شرحت لكم منذ اليوم أم أزيدكم أوما علمتم أن الله جل اسمه قد فرض على المؤمنين في أول الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين وليس له أن يولي وجهه عنهم ومن ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار ثم حولها من حالهم رحمة منه لهم فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من الله عز وجل للمؤمنين فنسخ الرجلان العشرة واخبروني أيضا عن القضاة أجورهم حيث يقضون على الرجل منكم نفقة امرأته إذا قال إني زاهد وإنه لا شئ لي؟ فإن قلتم جورة ظلمتم (ظلمكم - خ) أهل الإسلام وإن قلتم بل عدل خصمتم أنفسكم وحيث ترون صدقة من تصدق على المساكين عند الموت بأكثر