منه أسدا) وهذا التخريج ظاهر في البيت الأول دون الثاني، لان صفات الذم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أصلها، ولهذا قيل في (وما ربك بظلام للعبيد) إن فعالا ليس للمبالغة بل للنسب كقوله:
164 - [وليس بذي رمح فيطعنني به] * وليس بذي سيف وليس بنبال أي وما ربك بذي ظلم، لان الله لا يظلم الناس شيئا، ولا يقال لقيت منه أسدا أو بحرا أو نحو ذلك إلا عند قصد المبالغة في الوصف بالاقدام أو الكرم.
والسادس: التوكيد بالنفس والعين، وجعل منه بعضهم قوله تعالى (يتربصن بأنفسهن) وفيه نظر، إذ حق الضمير المرفوع المتصل المؤكد بالنفس أو بالعين أن يؤكد أولا بالمنفصل نحو (قمتم أنتم أنفسكم) ولان التوكيد هنا ضائع، إذ المأمورات بالتربص لا يذهب الوهم إلى أن المأمور غيرهن، بخلاف قولك (زارني الخليفة نفسه) وإنما ذكر الأنفس هنا لزيادة البعث على التربص، لاشعاره بما يستنكفن منه من طموح أنفسهن إلى الرجال.
تنبيه - مذهب البصريين أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس، كما أن أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك، وما أوهم ذلك فهو عندهم إما مؤول تأويلا يقبله اللفظ، كما قيل في (ولأصلبنكم في جذوع النخل): إن (في) ليست بمعنى على، ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشئ، وإما على تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف، كما ضمن بعضهم شربن في قوله * شربن بماء البحر * [148] معنى روين، وأحسن في (وقد أحسن بي) معنى لطف، وإما على شذوذ إنابة كلمة عن أخرى، وهذا الأخير هو محمل الباب كله عند [أكثر] الكوفيين وبعض المتأخرين، ولا يجعلون ذلك شاذا ومذهبهم أقل تعسفا.
* (بجل) * على وجهين: حرف بمعنى نعم، واسم، وهي على وجهين: اسم