أنهم إليهم لا يرجعون): أبدلت أن وصلتها من كم فمردود، بأن عامل البدل هو عامل المبدل منه، فإن قدر عامل المبدل منه يروا فكم لها الصدر فلا يعمل فيها ما قبلها، وإن قدر أهلكنا فلا تسلط له في المعنى على البدل، والصواب أن كم مفعول لأهلكنا، والجملة إما معمولة ليروا على أنه علق عن العمل في اللفظ، وأن وصلتها مفعول لأجله، وإما معترضة بين يروا وما سد مسد مفعوليه وهو أن وصلتها، وكذلك قول ابن عصفور في (أو لم يهد لهم كم أهلكنا): إن كم فاعل مردود بأن كم لها الصدر، وقوله إن ذلك جاء على لغة رديئة حكاها الأخفش عن بعضهم أنه يقول (ملكت كم عبيد) فيخرجها عن الصدرية خطأ عظيم، إذ خرج كلام الله سبحانه على هذه اللغة، وإنما الفاعل ضمير اسم الله سبحانه، أو ضمير العلم أو الهدى المدلول عليه بالفعل، أو جملة (أهلكنا) على القول بأن الفاعل يكون جملة إما مطلقا أو بشرط كونها مقترنة بما يعلق عن العمل والفعل قلبي نحو (ظهر لي أقام زيد) وجوز أبو البقاء كونه ضمير الاهلاك المفهوم من الجملة، وليس هذا من المواطن التي يعود الضمير فيها على المتأخر.
ويفترقان في خمسة أمور:
أحدها: أن الكلام مع الخبرية محتمل للتصديق والتكذيب، بخلافه مع الاستفهامية.
الثاني: أن المتكلم بالخبرية لا يستدعى من مخاطبه جوابا لأنه مخبر، والمتكلم بالاستفهامية يستدعيه لأنه مستخبر.
الثالث: أن الاسم المبدل من الخبرية لا يقترن بالهمزة، بخلاف المبدل من الاستفهامية، يقال في الخبرية (كم عبيد لي خمسون بل ستون) وفى الاستفهامية (كم مالك أعشرون أم ثلاثون).