حرف الثاء (ثم) ويقال فيها: فم، كقولهم في جدث: جدف - حرف عطف يقتضى ثلاثة أمور: التشريك في الحكم، والترتيب، والمهلة، وفى كل منها خلاف.
فأما التشريك فزعم الأخفش والكوفيون أنه قد يتخلف، وذلك بأن تقع زائدة، فلا تكون عاطفة البتة، وحملوا على ذلك قوله تعالى: (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم) وقول زهير:
173 - أراني إذا أصبحت ذا هوى * فثم إذا أمسيت أمسيت غاديا وخرجت الآية على تقدير الجواب، والبيت على زيادة الفاء.
وأما الترتيب فخالف قوم في اقتضائها إياه، تمسكا بقوله تعالى: (خلقكم من نفس واحدة، ثم جعل منها زوجها) (وبدأ خلق الانسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه) (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون، ثم آتينا موسى الكتاب) وقول الشاعر 174 - إن من ساد ثم ساد أبوه * ثم قد ساد قبل ذلك جده والجواب عن الآية الأولى من خمسة أوجه:
أحدها: أن العطف على محذوف، أي من نفس واحدة، أنشأها، ثم جعل منها زوجها.
الثاني: أن العطف على (واحدة) على تأويلها بالفعل، أي من نفس توحدت، أي انفردت، ثم جعل منها زوجها.