فالغرض من الفصل في الأصل: فصل الخبر عن النعت، فكان القياس ألا يجئ إلا بعد مبتدأ بلا ناسخ، أو منصوب بفعل قلب، بشرط كونه معرفة غير ضمير وكون خبره ذا لام تعريف، صالحا لوصف المبتدأ به، وذلك أنه إذا دخل على المبتدأ ناسخ يتميز به الخبر عن النعت بسبب تخالف اعرابيهما، نحو: كان أو إن أو ما الحجازية، لم يحتج إلى الفصل، وإذا كان المبتدأ نكرة، لم يؤت بالفصل، لأنه يفيد التأكيد ولا تؤكد النكرة، إلا بما سبق استثناؤه في باب التأكيد 1، وإنما قلنا ان الفصل يفيد التأكيد، لأن معنى: زيد هو القائم، زيد نفسه القائم، لكنه ليس تأكيدا 2، لأنه يجئ بعد الظاهر والضمير، والضمير لا يؤكد به الظاهر، فلا يقال: مررت بزيد هو نفسه، وأيضا، يدخل عليه السلام نحو: (إنك لأنت الحليم الرشيد 3)، ولا يقال: إن زيدا لنفسه قائم، وقد يجمع بين النفي والتأكيد بالضمير لاختلاف لفظيهما فيقال: ضربته هو نفسه، وضربته إياه نفسه، فيكون مثل قوله تعالى: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون 4)، ولا يقال، عند سيبويه: ضربته هو هو، ولا: ضربته هو إياه لاجتماع ضميرين بمعنى واحد، وأجازه الخليل مع اختلاف الضميرين لفظا، نحو:
ضربته هو إياه، ووافق سيبويه في منع المتفقين، ولم يجوز سيبويه، بناء على ذلك: ظننته هو إياه القائم، وإن جعلت أولهما فصلا والثاني تأكيدا، لأن الفصل كالتأكيد من حيث المعنى كما مر، قال: فإن فصلت بين الفصل والتأكيد، نحو: أظنه هو القائم إياه، جاز لعدم الاجتماع، وإنما قلنا: كان حق المبتدأ الذي يليه الفصل ألا يكون ضميرا، لأنه إن كان ضميرا،