التخلص عن الغصب، والحكم العقلي يستتبعه، لما مر في بيان حجة القول الثاني، فيكون مأمورا به بهذا الاعتبار، ومعه لا يعقل تعلق النهي به - كما عرفت - ولا يقع معصية أيضا، لتوقفها على النهي، ولو كان هو النهي السابق إذا كان المنهي عنه من ذوات الأسباب - كما عرفت آنفا - ولا يعقل النهي عن التخلص من أول الأمر، لوجوبه على الإطلاق، ولأنه على تقديره موجب لصيرورة الفعل معصية، فيكون الأمر به أمرا بها، وقد عرفت امتناعه، فتعين كونه مأمورا به لا غير.
وبعبارة أخرى أوضح: أنه لا ينبغي الارتياب في وجوب التخلص عن المقدار الزائد عن ذلك التصرف الخاص من الغصب، وهذا الحكم ثابت لهذا الموضوع من حيث ثبوت الحرمة للغصب.
ومن المعلوم أن هذا الموضوع لا يتحقق إلا بعد الغصب والدخول فيه، فلا يعقل تعلق النهي به ولو كان هو النهي السابق، لاستلزامه للتناقض، فإن النهي عن الذي لا يتحقق إلا بالغصب يناقض الأمر به، فيجب رفع التناقض، ويتعين رفعه برفع النهي مطلقا لعدم إمكان رفع الأمر، فيتحقق أنه مأمور به لا غير، وأنه نفسه ليس معصية لعدم النهي عنه أصلا. نعم هو بذاته مبغوض للشارع لاشتماله على مفسدة الغصب، لكن عروض عنوان التخلص له المقتضي للأمر به من توجه النهي إليه (1) مطلقا، فيكون مرتكبه عاصيا ومعاقبا بمقدار عقاب ذلك التصرف الخاص على تقدير حرمته من جهة أخرى، وهي أن إيقاع النفس في المبغوض الذاتي محرم ولو كان سبب الإيقاع فعلا مباحا، فكيف بما إذا كان محرما كما فيما نحن فيه؟ فإنه أوقع نفسه في ذلك المبغوض الذاتي بارتكابه للدخول في ملك الغير عدوانا، فبالدخول فيه يتحقق عصيانان: