أحدهما عصيان النهي عن الغصب، والآخر عصيان النهي عن إيقاع النفس في المبغوض الذاتي، فالمرتكب لذلك التصرف الخاص لم يكن عاصيا بذلك التصرف، وإنما هو عاص من تلك الجهة، وحرمة إيقاع النفس وجعلها مضطرة إلى ارتكاب المبغوض الذاتي ليست غيرية - كما لعلها ربما تتوهم - بل نفسية، وحكمتها السلامة عن مفسدة المبغوض الذاتي، ولا يجب أن يكون الحرام النفسي لمفسدة في نفسه، بل يمكن كونه كذلك لمفسدة حاصلة من غيره، كما أن الواجب النفسي أيضا لا يجب أن يكون وجوبه لمصلحة في نفسه، بل يمكن أن يكون لمصلحة حاصلة في غيره، كما في وجوب تعليم الغير أحكام دينه، إذ لا يعقل أن يقال: إنه واجب غيري، لأنه عبارة عما يجب التوصل به إلى امتثال ما يجب على نفس ذلك المكلف لا غير.
فبهذا اندفع توهم: أن حرمة إيقاع النفس في المبغوض الذاتي لا توجب وقوعه معصية، لما تقرر في محله من أن الحرمة الغيرية لا توجب وقوع موضوعها عصيانا.
وبالجملة: تحقق أن المتوسط في المكان المغصوب مأمور بالخروج لا غير، لكن عليه معصية إيقاع النفس في ذلك المبغوض الذاتي، فعليه من العقاب مقدار ما على ذلك التصرف الخاص على تقدير حرمته أيضا، كما هو الشأن في سائر موارد إيقاع النفس في المبغوض، فإن من جعل نفسه مضطرا إلى شرب الخمر - مثلا - فمع الاضطرار لا يعقل النهي عنه لعدم قابلية المورد، لكنه مبغوض ذاتا، فيعاقب المكلف عقاب شرب الخمر.
والحاصل: أن هنا مقدمات ثلاثا لا محيص لإنكار شيء منها:
أحدها: كون الخروج واجبا من باب التخلص لا غير.
وثانيها: عدم إمكان تحقق المعصية على الخروج.
وثالثها: أنه معاقب بمقدار عقاب الخروج على تقدير حرمته.