عليكم؛ لعظيم ما أكرهه منكم، وإني لأعلم أنكم تكرهوننا أيضا؛ لأنا بلينا بكم وبليتم بنا، إلا أن جدي معاوية قد نازع في هذا الأمر من كان أولى به منه ومن غيره لقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعظم فضله وسابقته، أعظم المهاجرين قدرا، وأشجعهم قلبا، وأكثرهم علما، وأولهم إيمانا، وأشرفهم منزلة، وأقدمهم صحبة، ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وصهره، وأخوه، زوجه (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة، وجعله لها بعلا باختياره لها، وجعلها له زوجة باختيارها له، أبو سبطيه؛ سيدي شباب أهل الجنة، وأفضل هذه الأمة، تربية الرسول، وابني فاطمة البتول، من الشجرة الطيبة الطاهرة الزكية، فركب جدي معه ما تعلمون، وركبتم معه ما لا تجهلون، حتى انتظمت لجدي الأمور، فلما جاءه القدر المحتوم، واخترمته أيدي المنون، بقي مرتهنا بعمله، فريدا في قبره، ووجد ما قدمت يداه، ورأى ما ارتكبه واعتداه.
ثم انتقلت الخلافة إلى يزيد أبي، فتقلد أمركم لهوى كان أبوه فيه، ولقد كان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفسه، غير خليق بالخلافة على أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، فركب هواه، واستحسن خطاه، وأقدم على ما أقدم من جرأته على الله، وبغيه على من استحل حرمته من أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقلت مدته، وانقطع أثره، وضاجع عمله، وصار حليف حفرته، رهين خطيئته، وبقيت أوزاره وتبعاته، وحصل على ما قدم وندم حيث لا ينفعه الندم، وشغلنا الحزن له عن الحزن عليه، فليت شعري ماذا قال وماذا قيل له؟ هل عوقب بإساءته وجوزي بعمله؟ وذلك ظني.
ثم اختنقته العبرة، فبكى طويلا وعلا نحيبه، ثم قال: وصرت أنا ثالث القوم، والساخط علي أكثر من الراضي، وما كنت لأتحمل آثامكم، ولا يراني الله جلت قدرته متقلدا أوزاركم وألقاه بتبعاتكم، فشأنكم أمركم فخذوه، ومن رضيتم به