فقال: نال الدهر يا أمير المؤمنين مني، وزادني أوارا (1) وغليلا اختصام أصحابك ببابك. قال: وفيم خصومتهم؟ قال: فيك وفي الثلاثة من قبلك، فمن مفرط منهم غال، ومقتصد تال ومن متردد مرتاب، لا يدري أيقدم أم يحجم. فقال: حسبك يا أخا همدان، ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط؛ إليهم يرجع الغالي، وبهم يلحق التالي.
فقال له الحارث: لو كشفت - فداك أبي وأمي - الرين عن قلوبنا، وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا. قال (عليه السلام): قدك (2)، فإنك امرؤ ملبوس عليك. إن دين الله لا يعرف بالرجال، بل بآية الحق، فاعرف الحق تعرف أهله.
يا حارث، إن الحق أحسن الحديث، والصادع به مجاهد، وبالحق أخبرك، فأرعني سمعك، ثم خبر به من كان له حصافة (3) من أصحابك.
ألا إني عبد الله، وأخو رسوله، وصديقه الأول، صدقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقا، فنحن الأولون ونحن الآخرون، ونحن خاصته - يا حارث - وخالصته، وأنا صنوه ووصيه ووليه وصاحب نجواه وسره. أوتيت فهم الكتاب، وفصل الخطاب، وعلم القرون والأسباب، واستودعت ألف مفتاح، يفتح كل مفتاح ألف باب، يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد، وأيدت واتخذت، وأمددت بليلة القدر نفلا، وإن ذلك يجري لي ولمن استحفظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأبشرك يا حارث لتعرفني عند الممات، وعند الصراط، وعند الحوض، وعند