كتابا أجله فيه ثلاثا، على أن يرد كل مظلمة، ويعزل كل عامل كرهوه، ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق، وأشهد عليه ناسا من وجوه المهاجرين والأنصار، فكف المسلمون عنه ورجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه، فجعل يتأهب للقتال، ويستعد بالسلاح - وقد كان اتخذ جندا عظيما من رقيق الخمس - فلما مضت الأيام الثلاثة وهو على حاله لم يغير شيئا مما كرهوه ولم يعزل عاملا، ثار به الناس (1).
1214 - الإمامة والسياسة: خرج عثمان فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد أيها الناس، إن نصيحتي كذبتني، ونفسي منتني، وقد سمعت رسول الله يقول: لا تتمادوا في الباطل؛ فإن الباطل يزداد من الله بعدا، من أساء فليتب، ومن أخطأ فليتب، وأنا أول من أتعظ، والله لئن ردني الحق عبدا لانتسبن نسب العبيد، ولأكونن كالمرقوق الذي إن ملك صبر، وإن أعتق شكر، ثم نزل، فدخل على زوجته نائلة بنت الفرافصة، ودخل معه مروان بن الحكم، فقال: يا أمير المؤمنين، أتكلم أو أسكت؟ فقالت له نائلة: بل اسكت! فوالله لئن تكلمت لتغرنه ولتوبقنه. فالتفت إليها عثمان مغضبا، فقال: اسكتي، تكلم يا مروان. فقال مروان: يا أمير المؤمنين! والله لو قلت الذي قلت وأنت في عز ومنعة لتابعتك، ولكنك قلت الذي قلت وقد بلغ السيل الزبى، وجاوز الحزام الطبيين، فانقض التوبة ولا تقر بالخطيئة (2).