أبي بكر، وعزم سائر المسلمين على الرجوع إلى مدائنهم، وآب أهل المدينة إلى دورهم وحياتهم اليومية...
لكن المؤسف أن هذه التوبة لم تدم طويلا، فقد تدخلت البطانة الأموية المريضة الفكر والعمل - لا سيما مروان - وجعلته يعدل عن قراره، وافتعلت ضجة ضيقت عليه الأرض بما رحبت، فتراجع ونقض جميع وعوده، والثوار لما يصلوا إلى أمصارهم بعد. وكان هذا التغير في الموقف على درجة من القبح حتى صاحت نائلة زوجته قائلة:
" إنهم والله قاتلوه ومؤثموه، إنه قال مقالة لا ينبغي أن ينزع عنها ".
وحين كان المصريون في طريق عودتهم إلى مصر - بعد وعود عثمان - تفطنوا في أحد المواضع إلى أن غلاما لعثمان متوجه إلى مصر أيضا، فشكوا فيه واستوقفوه، فاستبان أنه رسوله إلى مصر، وفتشوه فوجدوا عنده حكم عثمان إلى واليه على مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح يأمره فيه بقتل عدد من الثوار.
وكان الكتاب بخط كاتب عثمان وعليه ختمه، وعندئذ عاد الثوار إلى المدينة وحاصروا عثمان مرة أخرى... فلم يجد نفعا حينئذ كلام وسيط، ولم تقبل توبة...
واستغاث عثمان هذه المرة بمعاوية يستنجده لإنقاذه بشكل من الأشكال. بيد أن معاوية الذي كان متعطشا للسلطة والتسلط وجد الفرصة مؤاتية لركوب الموجة والقفز على أريكة الحكم. من هنا لم يسارع إلى إغاثة عثمان والذب عنه وإنقاذه حتى يقتل، ومن ثم يتربع على العرش بذريعة المطالبة بدمه.
ودام الحصار أربعين يوما. وفيها طلب عثمان من الإمام (عليه السلام) مرتين أن يخرج