السماء، تتهادى إلى نفسه المقدسة عذوبة شفيفة، تسكن روحه طمأنينة باذخة، ورضى أحس به بعد أن انتهى من إبلاغ الأمة أمر ربه. الناس يتجمهرون حول النبي حلقا حلقا. لا ريب أن القلوب تموج بمشاعر مختلفة لما حصل.
ما الخبر؟ علي أصبح خليفة النبي؟ لم يكن قلة أولئك الذين تجاهلوا كل جهود النبي (صلى الله عليه وآله) وما بذله في سبيل هذا الأمر منذ أول أيام البعثة حتى هذه اللحظة، وما كان اصرارهم على العناد قليلا، لذلك شعر النبي أن مهمته لم تكتمل بعد، فلابد من المزيد إمكانا في ترسيخ الأمر، وإبلاغا في الحجة.
نادى على علي (عليه السلام)، وتوج رأسه بعمامته " السحاب ". لقد ألفت أعراف ذلك العصر تتويج من يتسنم زمام الحكم، وعلى هذا جرى الملوك والأمراء، والآن هو ذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد نصب عليا للحكم، يضع على رأسه العمامة؛ لأن " العمائم تيجان العرب " (1).
كما حدثوا عن ثقافة ذلك العصر أن العرب عندما كانوا ينتخبون شخصا للإمارة ويسودونه عليهم، كانوا يضعون على رأسه " عمامة " في سلوك كان يدل على تثبيت الحاكمية والولاية (2).
لقد تحدث علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن هذه المكرمة النبوية العظيمة، بقوله:
" عممني رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم بعمامة ".
كما وثق المحدثون والمؤرخون مراسم هذا التتويج المهيب الذي ينبئ عن العظمة والجلال، فكان مما كتبوه: " أن النبي (صلى الله عليه وآله) دعا علي بن أبي طالب يوم غدير