والمصريين والعراقيين.
الشمس في كبد السماء ترسل بأشعتها اللاهبة، وتدفع بحممها صوب الأرض، وإذا بالوحي يغشى النبي ويأتيه أمر السماء، فيأمر أن يجتمع الناس في المكان المذكور.
ينادي منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) برد من تقدم من القوم، وبحبس من تأخر؛ ليجتمع المسلمون على سواء في موقف واحد، ولا أحد يدري ما الخبر.
منتصف النهار في يوم صائف شديد القيظ، حتى أن الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر، فيما يلوذ آخرون بظلال المراكب والمتاع. راحت الجموع المحتشدة تتحلق أنظارها بنبيها الكريم وهو يرتقي موضعا صنعوه له من الرحال وأقتاب الإبل. بدأ النبي خطبته، فراحت الكلمات تخرج من فؤاده وفمه صادعة رائعة، حمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر للجمع المحتشد أن ساعة الرحيل قد أزفت، وقد أوشك أن يدعى فيجيب، على هذا مضت سنة البشر قبله من نبيين وغير نبيين.
أما وقد أوشك على الرحيل، فقد طلب من الحاضرين أن يشهدوا له بأداء الرسالة، فهبت الأصوات تجيب النبي على نسق واحد: " نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت؛ فجزاك الله خيرا ".
ما لهذا جمعهم في هذه الظهيرة القائضة، بل هو يعدهم لنبأ مرتقب، ويهيئ النفوس لبلاغ خطير هذا أوانه، تحدث إليهم مرات عن صدقه في " البلاغ "، كما تكلم عن " الثقلين " وأوصى بهما، ثم انعطف يحدثهم عن موقعه الشاهق العلي في الأمة، وطلب منهم أن يشهدوا بأولويته على أنفسهم، حتى إذا ما شهدوا له بصوت واحد، أخذ بعضد علي بن أبي طالب ورفعه، فزاد من جلال المشهد