كان قابلا للتأويل، إلا أنه ليس في البحث عنه كثير فائدة، لان مثل ذلك غير مضر بشؤون رسالاتهم، ومقامهم العلية الثابتة لهم، وليس من الأمور الاعتقادية التي تجب معرفتها، فيكفينا الاعتقاد في ذلك إن قيل بوجوب الاعتقاد فيه بما هو الواقع.
نعم لما قلنا أن العصمة هي أعلى مراتب حضور العبد عند مولاه، ونورانية نفسانية ملكوتية تذهب بكل الظلام، وتشرق كل وجود صاحبها، فلا شك أن لهذه النورانية مراتب ودرجات، أعلاها ما حصل لنبينا والأئمة - عليهم الصلاة والسلام -، وأدناها ما يصون الشخص عن المعاصي عمدا وسهوا، وعن الاشتباه والسهو والنسيان في أمر الرسالة وشئونها. فعلى هذا يمكن أن يوجد في عظماء الأنبياء نورانية و عناية ربانية دائمة تصرفهم عن ترك تصرفهم عن ترك الأولى، وتدفع عن قلوبهم غطاء السهو وحجاب النسيان.
وأما بالنسبة إلى نبينا - صلى الله عليه وآله - وأوصيائه و خلفائه الاثني عشر - عليهم السلام - فحيث انهم في أعلى مراتب القوة القدسية، والنورانية الربانية، ولا تفوق رتبتهم في الحضور عند المولى والجلوس على بساط قربه وأنسه رتبة، فعدم صدور ترك الأولى عنهم كعدم صدور المعاصي في نهاية الوضوح، يظهر ذلك لكل من درس تاريخ حياتهم النورية، وأخلاقهم الإلهية، وأدعيتهم ومناجاتهم، و خشيتهم من الله تعالى، وإنابتهم إليه، وانقطاعهم عن الخلق.
فهم أكمل المظاهر لاخلاص العبد وترك الاشتغال بغير الله تعالى، لا يصدرون إلا عن أمره، كل فعالهم محمودة مرضية، وكل حالاتهم حميدة شريفة، لا تؤثر فيهم الدواعي إلا داعي الله. فكمال إخلاصهم يمنعهم عن الاعتناء بغير داعي الله تعالى، وعن الاشتغال بغير ذكره، وامتثال أوامره ونواهيه. قد خرقت أبصار قلوبهم حجب النور،