فوصلت إلى معدن العظمة، وصارت أرواحهم معلقة بعز قدسه، جباههم ساجدة لعظمته، وعيونهم ساهرة في خدمته ودموعهم سائلة من خشيته، وقلوبهم متعلقة بمحبته، وأفئدتهم منخلعة من مهابته، انقطعت همتهم إليه، وانصرفت رغبتهم نحوه، لقاؤه قرة أعينهم، وقربه غاية مسؤولهم.
إذا فكيف يصدر ترك الأولى ممن بعض شؤونه وحالاته ما سمعت؟ رزقنا الله تعالى محبتهم، وولايتهم، وشفاعتهم، وحشرنا في زمرتهم.
ولا يخفى عليك ان ترك الأولى ليس معناه ترك المستحب أو فعل المكروه فحسب، بل ربما يكون بترك المستحب أو فعل المكروه، و ربما يكون بفعل المستحب وترك المكروه. والنبي والامام أعلم بموارد ترك الأولى، فلا يجوز نسبة ترك الأولى إلى النبي والولي - بل إلى غيرهما من الفقهاء العارفين بأحكام الله تعالى، وموارد تزاحم المستحبات والمكروهات بعضها من بعض - بمجرد ترك المستحب أو فعل المكروه، بل يمكن الاستدلال بفعلهما على عدم كون هذا الفعل أو الترك مستحبا أو مكروها بقول مطلق، وإلا فلم يصدر منهما.
ثم إنه قد بقى هنا مطلب آخر، وهو النظر في بعض الآيات و الأحاديث التي توهم منه عدم عصمة الأنبياء، ولئلا يطول بنا المقام نحيل الباحثين إلى التفاسير المأثورة عن أهل بيت النبوة، أعدل القرآن الكريم، وكتاب " تنزيه الأنبياء "، " الشافي "، وتلخيصه و " اللوامع الإلهية "، " بحار الأنوار "، وغيرهما من كتب الكلام والحديث.
ومجمل القول في الآيات انها غير ظاهرة في عدم عصمة الأنبياء، ولو سلم ظهور لبعضها يجب تأويله وحمله على المجاز لدلالة هذه القرائن العقلية على عدم إرادة ظاهرها.