الصفات التي لم تجتمع في شخصية انسان عبقري موهوب كما اجتمعت في هذه الشخصية الفذة العجيبة التي خلبت العقول، وحيرت الألباب، وكانت من القوة والرسوخ من حيث هذه المزايا - مزايا العلم والحكمة والمعرفة وسمو الخلق والإنسانية الحقة - بحيث تمردت على العوامل الفعالة التي من شأنها إبادة أي شئ - مهما عظم - إذا ما وقف أمامها.
كان علي أمة مستقلة بذاتها، تحكي عقلية الدهر، وتعبر عن نضج الزمان، وتصور نهاية المراحل من سمو البشرية، وقمة المجد، فليس من الصحيح أن يقاس علي بالأفراد فهو نسيج وحده، ومن الخطأ أن يقال عن علي: إنه كان أورعهم، وأتقاهم، وأنبلهم، وأسخاهم وأنت تعرض لسيرة العظماء والمزايا الانسانية فكما أنك لا تستطيع أن تقرن الأرض بالقمر بهاء، وتقرن معدن الراديوم بالمعادن الأخرى جوهرا، وتقيس عليه، فإنك لا تستطيع أن تقرن اسم علي بأسماء العظماء - باستثناء من خصوا برتبة النبوة - وهو غير نبي طبعا - لأن مزايا علي قد تجاوزت الحدود المألوفة، ولأن شخصيته بلغت القمة من الأمجاد والمثل العليا في دنيا البشرية.
وحين يستعرض المرء المبادئ والملكات والمزايا فلا يصح أن يأتي بعلي مثلا، ذلك لأن عليا - كما قلت - أمة مستقلة ليس لها بين الأفراد من شبيه، وإنه قد سما بما جاء به من موازين، وما أعرب به من مزايا، وما عبر به عن صفات الانسان الكامل العديم النظير، حتى صارت كلمة علي وحدها تكفي لترسم أمام العين كل الصور الجذابة من معاني الانسانية.
ولعل كلمة (علي) التي يكتبها البعض فوق مخازنهم، وحوانيتهم، أو يعلقونها في إطار الألواح الفنية المزخرفة في بيوتهم، أو التي ينقشونها على أبواب