فعلى أي المنهجين يسير ابن أبي طالب ربيب الوحي ورائد العدالة الاجتماعية في الاسلام.
ان ابن عوف يعلم علما جازما لا يخامره أدنى شك ان الامام لو تقلد زمام الحكم لطبق شريعة الله في الأرض، وساس المسلمين سياسة قوامها العدل الخالص، والحق المحض، ولم يمنح الأسر القرشية أي جهة من الامتياز وساوى بينها وبين غيرها في جميع الحقوق والواجبات، فتفوت بذلك مصالح هذه الطبقة التي جنت على الاسلام، وجرت للمسلمين أعظم الويلات والخطوب.
إن الامام لو وافق على الالتزام بما شرط عليه ابن عوف لما أمكنه أن يطبق أي منهج من مناهج سياسته الهادفة إلى نشر العدل بين الناس، ومن المقطوع به ان الامام حتى لو التزم بهذا الشرط ظاهرا لحالت قريش بينه وبين تطبيق أهدافه، ولم تدع له أي مجال لتحقيق العدالة الاجتماعية، ويكون خروجها عليه مشروعا لأنه لم يف لها بوعده.
وعلى أي حال فان عبد الرحمن لما يئس من تغيير اتجاه الامام انبرى إلى عثمان فشرط عليه ذلك فسارع إلى اجابته، وأظهر استعداده الكامل لكل ما شرطه عليه وفيما أحسب أن هناك اتفاقا سريا بينهما أحيط بكثير من الكتمان، فإنه بأي حال لا ينتخب الامام وان اجابه إلى ما شرطه عليه، وانما طلب منه البيعة لأجل التغطية على مخططاته فاستعمل هذه المناورة السياسية، ويرى بعض المؤرخين من الإفرنج إلى أن عبد الرحمن استعمل طريقة المداورة والانتهازية، ولم يترك الانتخاب يجري حرا.
يقول المؤرخون: إن عبد الرحمن بادر إلى عثمان فصفق بكفه على يده وقال له:
" اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان... ".