رابعا - من غريب أمر هذه الشورى أن عمر قد شهد في حق أعضائها أن النبي (ص) مات وهو عنهم راض، أو انه شهد لهم بالجنة، وقد عهد إلى الشرطة بضرب أعناقهم إن تأخروا عن انتخاب أحدهم - حسب ما ذكرناه - ويقول الناقدون لهذه الشورى: إن التخلف عن الانتخاب لم يكن خروجا عن الدين، ولا مروقا عن الاسلام حتى تباح دماؤهم!!
فلم يتفق هذا الحكم مع ما أثر عن الاسلام في حرمة إراقة الدماء ووجوب التحرج فيها إلا في مواضع مخصوصة ذكرها الفقهاء، وهذا ليس منها.
بقي هنا شئ آخر لا يقل غرابة عن ذلك التناقض، وهو أن عمر انما قصر أعضاء الشورى على الستة بحجة أن رسول الله (ص) مات وهو عنهم راض، وهذه الحجة لا تصلح دليلا على التعيين لان رسول الله صلى الله عليه وآله مات وهو راض عن كثير من صحابته، فتقديم الستة عليهم انما هو من باب الترجيح بلا مرجح، وهو مما يتسم بالقبح كما يقول علماء الأصول.
خامسا - إن مما يؤخذ على هذه الشورى ان عمر جعل الترجيح للجبهة التي تضم عبد الرحمان بن عوف، وقدمها على الجبهة التي تضم الامام أمير المؤمنين (ع) وهو تحيز ظاهر للقوى القرشية الحاقدة على الامام والباغية عليه، كما أنا لا نعلم أن هناك أي مأثرة يمتاز بها ابن عوف يستحق بها هذه الإشادة والتكريم، أليس هو واخوانه من المهاجرين كطلحة والزبير وغيره قد استأثروا بأموال المسلمين وفيئهم حتى ملكوا من الثراء العريض ما لا يحصى، وتحيروا في صرفه وانفاقه وقد ترك ابن عوف - فيما يقول المؤرخون - من الذهب ما يكسر بالفؤوس لكثرته، أمثل هذا يقدم على الإمام (ع)؟!! وهو صاحب المواهب والعبقريات، الذي لا ند له