لقوم (نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة) أتخشونهم؟
" والله أحق أن تخشوه ان كنتم مؤمنين ".
ولما رأت وهن الأنصار، وتخاذلهم وعدم استجابتهم لنداء الحق، وجهت لهم أعنف اللوم، وأشد العتب والتقريع قائلة:
" ألا وقد قلت: ما قلت: على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، وبثة الصدر، ونفثة الغيظ، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقية الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله، وشنار الأبد، موصومة ب " نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة انها عليها موصدة " فبعين الله ما تفعلون " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ".
وأنا ابنة نذيركم بين يدي عذاب شديد " فاعملوا انا عاملون، وانظروا إنا منتظرون " (1).
وقد وجلت القلوب، وخشعت الابصار، وبخعت النفوس، وأوشكت أن ترد شوارد الأهواء، ويرجع الحق إلى نصابه ومعدنه، إلا أن أبا بكر قد استطاع بلباقته الهائلة، وقابلياته الدبلوماسية ان يسيطر على الموقف وينقذ حكومته من الانقلاب، وقد قابل بضعة الرسول (ص) بكل تكريم واحتفاء وأظهر لها انه يخلص لها أكثر مما يخلص لابنته عائشة، وانه يكن لها في أعماق نفسه الاحترام والتقدير، كما أظهر لها حزنه العميق على وفاة أبيها رسول الله (ص) وانه ود ان يكون مات قبل موته، وعرض لها انه لم يتقلد منصب الحكم ولم يتخذ معها الاجراءات الصارمة عن رأيه الخاص، وإنما كان عن رأي المسلمين واجماعهم، وقد جلب له بذلك القلوب بعد ما نفرت منه، وأخمد نار الثورة وقضى على جميع معالمها.