الحق أن الحسين قدم للمسلمين الذين تعاقبوا في آثاره على مدار الزمان، حجة بالغة من أهل بيت الرسول. إذ ينفردون في التاريخ بهذه الخصيصة التي لم يماثلهم، أو يقاربهم، فيها أهل بيت آخر في تاريخ الإنسانية: الاستشهاد في سبيل هداية البشر لما هو أقوم. وهي بعض خصائص الرسل.
منح الاستشهاد اسما لكربلاء. وخلد الأسماء التي تساقط أصحابها كالكواكب المنتثرة من السماء فوق الصحراء، لا لتنكدر، ولكن لتقدم للبشر درس الدفاع عن الحق. من فئة قليلة، واثقة في الحق سبحانه، لا تهمها أرواحها، وإنما يهمها العمل الصالح في ذاته. ولا تنظر إلى الساعة التي هي فيها، وإنما تمد أبصارها إلى مستقبل الإنسانية كله، لترتفع بالدنيا إلى مستوى أفكار الأئمة.
ولقد صدق الحسين المسلمين في كل موقف وقفه. وكان عند وصية أبيه له ولأخيه الحسن وهو يجود بأنفاسه الأخيرة (أوصيكما بتقوى الله. ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما) فلم يبتغ الدنيا واشترى بها الآخرة.. فأمس يقول (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما).
وشملت السماء ابن النبي في كربلاء بمزيد من التأييد. بمعان جليلة من جلال الإسلام، تختار منها هنا واقعة منه وواقعة من عدوه: في الأولى أخذ أخذ أبيه فسقى جيش العدو من العين التي نزل عندها ولم يحرم الماء قاتليه. (1) وفي الأخرى ترك قائدان من القواد جيش ابن زياد، في وطيس المعركة، إلى الجماعة العزلاء حول الحسين، ليستشهدوا في