والظروف غير المواتية لا تجعل الفضائل غير مواتية. فالفضائل مواتية أبدا، مطلوبة دائما.
وإذا كانت القدرة شرط التكليف والرخص متروكا تقديرها للرجال، فبالمعاناة أو التضحية ينسلخ الأقوياء من مسلاخ الضعفة. ويخلع الناس على العظماء وصف العظمة.
وما المعاناة والتضحية إلا محاولات للثبات في وجه الخطر، أو لاقتحامه.
فهي درجات فضل وأدوات تقدم في معترك الوجود الإنساني. تضيف إلى تياره المتدفق أسباب طهر ونقاء، وأساليب بقاء، منظورة للكثيرين، وإن عمى عنها آخرون.
والدرس السادس: يتعلق بوظيفة التاريخ. فهو يصحح العوج ويصوب الانحراف، بالاستقامة على الجادة، خضوعا للعدل. - وهو قانون السماء.
إن الغلام المريض الذي بقى في خيمة أبيه يوم كربلاء (زين العابدين) سيحيا ثلاثة وثلاثين عاما حتى عام 94، لتتسلسل في عقبه ذرية ترفع أعلام الإسلام عالية في ضمائر البشر. في حين أن الطاغية الذي يرسل النار والدمار على البيت العتيق بالحجاز وعلى أهل البيت، في صحراء العراق، سيزول ملكه - هو - وينقطع دابره - هو - بعد ثلاث سنين بتنازل من ابنه عن ذلك الملك. لينقطع اسم معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، من سجل الحوادث. وتخلد آثار أهل البيت ما تعاقب الجديدان، آية من السماء على أن دولة القتلة لم تعش. وأن دولة القتلى ستعيش أبدا. وأن دولة الظلم لا تبقى بمقاييس الزمن إلا ساعة أو هنية - أما دولة العدل فتبقى إلى قيام الساعة. وأنه تعالى صادق الوعد (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين).
وما أكثر ما كانت الغلبة ببقاء أسباب الانتصار، يتحقق بها النصر في مكان آخر أو زمان آخر، بقوم يحبهم الله فينصرهم مهما كان عددهم، ويحبونه فيجودون بأرواحهم.