بيدي وغشي عليه ساعة، ثم أفاق، ثم فعل صاحبي الثاني فعل صاحبي الأول، فنال ما ناله الأول، وبقينا متحيرين، فقلنا لصاحب البيت: المعذرة إلى الله واليك، وإنا تائبون إلى الله، فما التفت إلى ما قلنا، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه.
وكان المعتضد ينتظرنا فدخلنا عنده في الليل فحكينا ما رأيناه فقال: هل لقيتم أحدا قبلي وجرى منكم إلى أحد قول؟ قلنا: لا بل كتمناه عن الناس والله، وحلفنا بأشد أيمان أن لا نخبر أحدا ما دام المعتضد حيا، لأنه لو بلغ إليه خبر ليضربن أعناقنا ولم نحدث به إلا من بعده.
(5) وفي كتاب الغيبة: عن سعد بن عبد الله القمي قال: كنت رجلا مشتغلا بغوامض العلوم، وأثبت في دفتر نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل على أن أسأل خير بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد الحسن العسكري وقد خرج قاصدا نحو مولانا بسامراء، فلحقته فدخلنا بالاذن عند مولانا، وعلى عاتق أحمد بن إسحاق جراب فيه مائة وستون صرة من الدنانير والدراهم، وعلى كل صرة منها ختم صاحبها، وعلى الفخذ الأيمن لمولانا غلام كالقمر، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وغرائب الفصوص المركبة عليها، قد أهداها إليه بعض رؤساء البصرة وبيده قلم يسطر، وقبض الغلام أصابعه ومولانا يدحرج الرمانة ويشغله بإدارتها كيلا يمنعه عن كتابته، فلما فرغ من الكتابة أخرج أحمد جرابه من كسائه.
فقال مولانا: يا بني فض الخاتم عن هدايا مواليك.
فقال: يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة.