ومن ذلك ما رواه أبو الفرج ابن الجوزي: باسناده إلى ابن الخطيب قال: كنت كاتبا للسيدة أم المتوكل، فبينا أنا في الديوان إذ خادم صغير خرج من عندها، ومعه كيس فيه ألف دينار، فقال: تقول لك السيدة فرق هذا في المستحقين، فسموا لي أشخاصا، ففرقت فيهم ثلاثمائة دينار والباقي بيدي إلى نصف الليل، وإذا طرق باب داري رجل من العلويين، وهو جاري، فقال: دخل علي هذه الساعة رجل من أقربائي ولم يكن عندي طعام، فأعطيته دينارا فأخذه مسرورا وانصرف، فلما وصل إلى الباب خرجت زوجتي باكية وتقول: أما تستحي يطلب منك العلوي وتعطيه دينارا وقد عرفت فقره، أعطه الكل، فوقع كلامها في قلي، فناولته الكيس، فأخذه وانصرف، ثم ندمت وخفت من المتوكل لأنه يمقت العلويين، فقالت زوجتي: لا تخف واتكل على الله وعلى جدهم، فبينا نحن في الكلام، يطرق الباب الخدم بأيديهم المشاعل ويقولون:
تدعوك السيدة، فقمت خائفا فأدخلوني عند ستر السيدة، وقالت لي: يا أحمد جزاك الله خيرا، وجزى زوجتك خيرا، كنت الساعة نائمة، جاءني النبي (ص) وقال لي: جزاك الله خيرا وجزى الله زوجة الخطيب خيرا، فما معنى هذا؟
فأخبرتها ما جرى، وهي تبكي وتقول: هذه الكسوة وهذه الدنانير للعلوي، وهذه لزوجتك، وهذه لك، وكان ذلك يساوي مائة ألف درهم، فأخذت المال وجعلت طريقي على بيت العلوي، فطرقت فصاح: هات ما معك يا أحمد، وخرج وهو يبكي فسألته عن بكائه فقال: لما دخلت منزلي بالكيس قالت لي زوجتي: قم ونصلي وندعو للسيدة ولأحمد ولزوجته، فصلينا ودعونا لهم، ثم نمت فرأيت رسول الله (ص) وهو يقول لي: قد شكرتهم على ما فعلوا والساعة