تنبيهات الأول: لا يرد على عصمته قوله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) [الأعراف 200] قال القاضي: قيل: إنها راجعة لقوله: (خذ العفو) [الأعراف 199] أي: ما سهل من أخلاق الناس وأفعالهم، وما يسهل فيكم فلاطفه ولا تطلب الجهد، وما يشق عليهم حذرا من أن ينفروا عنك.
(وأمر بالعرف) أي المعروف والجميل من الافعال.
(وأعرض عن الجاهلين) ولا تجادل السفهاء بمثل سفههم، ولا تمارهم، وأحلم عنهم، فهذه الآية أجمع لمكارم الأخلاق، وقد سئل جبريل - عليه الصلاة والسلام - عنها فقال:
" لا أدري حتى أسأل ربي، ثم رجع فقال: يا محمد إن الله أمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ثم قال (وإما ينزغنك) [الأعراف 200] أي: يحملك على خلاف ما أمرت به.
وقيل: النزغ الفساد وقيل: أدنى الوسوسة، فأمره الله تعالى، متى تحرك عليه غضب على عدوه أو رام الشيطان من إغرائه به أن يستعيذ بالله منه، فيكفيه أمره ويكون سبب تمام [عصمته]، إذ لم يسلط عليه بأكثر من التعرض له، ولم يجعل له قدرة عليه، فيرجع خائبا خاسرا زائدا في نكاله انتهى.
الثاني: لا يرد أيضا على عصمته من قوله - عليه الصلاة والسلام - حين نام عن الصلاة في الوادي " إن هذا واد به شيطان "، كما رواه مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم أن الشيطان أتى بلال فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام ".
[وتسلط الشيطان في ذلك الوادي الذي عرس به] إنما كان على بلال الموكل بصلاة الفجر فلا اعتراض من هذا الباب [لبيانه وارتفاع اشكاله] ولم يقدر عدو الله على أذاه - صلى الله عليه وسلم - بسبب التسلط إلى غيره - صلى الله عليه وسلم - وقد كفاه الله تعالى أمره وعصمه.
الثالث: في بيان غريب ما سبق.
قوله: فأسلم.
روي فأسلم - بفتح الميم - أي آمن.
وروي: فأسلم [بضم الميم، أي فأسلم أنا منه].