كفار الأمم وأنبيائها بكل ما أمكنها، واختلقته مما نص الله تعالى عليه أو نقلته إلينا الرواة، ولم نجد في شئ من ذلك تعييرا لواحد منهم برفضه آلهته وتقريعه بذمه بترك ما كان قد جامعهم عليه.
ولو كان هذا لكانوا بذلك مبادرين، وبتلونه في معبوده محتجين، ولكان توبيخهم له بنهيهم عما كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركهم آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم من قبل، ففي إطباقهم على الاعراض عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه، إذ لو كان لنقل وما سكتوا عنه، كما لم يسكتوا عن تحويل القبلة، وقالوا: (ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) [البقرة 142] كما حكاه الله تعالى عنهم، وقد استدل القاضي القشيري على تنزيههم عن هذا بقوله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) [الأحزاب 7] وبقوله (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) إلى قوله: (لتؤمنن به ولتنصرنه) [آل عمران 81] قال: فطهره الله تعالى في الميثاق وبعيد أن يأخذ منه الميثاق قبل خلقه، ثم أخذ ميثاق النبيين بالايمان به ونصره قبل مولده بدهور، ويجوز عليه الشرك أو غيره من الذنوب هذا ما لا يجوزه إلا ملحد.
هذا معنى كلامه.
وكيف يكون ذلك وقد أتاه جبرائيل - عليه السلام - وشق قلبه صغيرا واستخرج منه علقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله وملاه حكمة وإيمانا [كما تظاهر أخبار المبدأ] وكيف يكون نبيا وآدم بين الروح والجسد، ثم يجوز عليه شئ من النقائص التي نزه الله تعالى عنها أنبياءه، وهذا ما لا يقوله إلا جاهل أو معاند.
فصل قال القاضي: واختلف في عصمتهم من المعاصي قبل النبوة، فمنعها قوم، وجوزها قوم آخرون.
والصحيح إن شاء الله تعالى تنزيههم من كل عيب، وعصمتهم من كل ما يوجب الريب، فكيف والمسألة تصورها كالممتنع، فإن المعاصي والنواهي إنما تكون بعد تقرر الشرع، ثم ذكر اختلاف الناس في حال النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يوحى إليه هل كان متبعا لشرع قبله أم لا؟ وقد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في أبواب عبادته - صلى الله عليه وسلم -.
ثم قال: هذا حكم ما يكون المخالفة فيه من الأعمال عن قصد، وهو ما يسمى معصية، ويدخل تحت التكليف، ثم ذكر الكلام على عصمتهم من السهو والنسيان.