الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ٢ - الصفحة ١٠١٣
قراءة (1) هذه الصحيفة التي هي صحيفة العهد والميثاق [نرجو أن نجوز بها الصراط] ظهرها وبطنها (2) بحرم سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الروضة والمنبر على رؤوس الأشهاد وبمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وسائر الأولياء والأخيار [والأحفاد] بعد أخذ البيعة عليهم واستيفاء شروطها بما أوجبه أمير المؤمنين من العهد لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) لتقوم به الحجة على جميع المسلمين ولتبطل (3) الشبهة التي كانت اعترضت آراء (4) الجاهلين، وما كان لله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه. وكتب الفضل بن سهل بحضرة أمير المؤمنين في تاريخ المعين فيه (5).

(١) في (ب): فقراءة، وفي (أ): بقراءة.
(٢) في (أ): ظهرا وبطنا.
(٣) في (أ): تبطل، وفي (ج): لتبطل.
(٤) في (أ): اعترضته لآراء.
(٥) ونحن نشير هنا إلى النص الكامل لكتاب العهد وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده أما بعد، فإن الله عزوجل اصطفى الإسلام دينا، واصطفى له من عباده رسلا دالين عليه وهادين إليه، يبشر أولهم بآخرهم، ويصدق تاليهم ماضيهم، حتى انتهت نبوة الله إلى محمد (صلى الله عليه وآله) على فترة من الرسل، ودروس من العلم، وانقطاع من الوحي، واقتراب من الساعة.
فختم الله به النبيين وجعله شاهدا لهم ومهيمنا عليهم، وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، بما أحل وحرم، ووعد وأوعد، وحذر وأنذر، وأمر به ونهى عنه، لتكون له الحجة البالغة على خلقه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.
فبلغ عن الله رسالته، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم بالجهاد والغلظة، حتى قبضه الله إليه، واختار له ما عنده.
فلما انقضت النبوة وختم الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) الوحي والرسالة جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة، وإتمامها وعزها والقيام بحق الله تعالى فيها بالطاعة التي بها تقام فرائض الله وحدوده، وشرائع الإسلام وسننه، ويجاهد بها عدوه.
فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله وأمن السبيل وحقن الدماء وصلاح ذات البين وجمع الألفة. وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم واختلاف ملتهم وقهر دينهم واستعلاء عدوهم وتفرق الكلمة وخسران الدنيا والآخرة.
فحق على من استخلفه الله في أرضه وائتمنه على خلقه أن يجهد لله نفسه ويؤثر ما فيه رضا الله وطاعته، ويعتد لما الله موافقه عليه ومسائله عنه، ويحكم بالحق، ويعمل بالعدل فيما حمله الله وقلده، فإن الله عزوجل يقول لنبيه داود (عليه السلام): (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) ١ وقال الله تعالى: (فوربك لنسئلنهم أجمعين * عما كانوا يعملون) ٢.
وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال: لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن يسألني الله عنها، وأيم الله إن المسؤول عن خاصة نفسه الموقوف على عمله فيما بينه وبين الله ليعرض على أمر كبير وعلى خطر عظيم، فكيف بالمسؤول عن رعاية الأمة، وبالله الثقة، وإليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة، والتسديد والهداية، إلى ما فيه ثبوت الحجة، والفوز من الله بالرضوان والرحمة.
وأنظر الأمة لنفسه وأنصحهم لله في دينه وعباده من خلفائه (خلائقهم - خ ل) في أرضه من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) في مدة أيامه وبعدها، وأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده، ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده، وينصبه علما لهم ومفزعا في جمع ألفتهم ولم شعثهم وحقن دمائهم، والأمن بإذن الله من فرقتهم، وفساد ذات بينهم واختلافهم، ورفع نزغ الشيطان وكيده عنهم، فإن الله عزوجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله، وعزه وصلاح أهله، وألهم خلفاءه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة وشملت فيه العافية، ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة، والسعي في الفرقة والتربص للفتنة.
ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة، فاختبر بشاعة مذاقها، وثقل محملها، وشدة مؤونتها، وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله، ومراقبته فيما حمله منها، فأنصب بدنه، وأسهر عينه، وأطال فكره، فيما فيه عز الدين وقمع المشركين، وصلاح الأمة، ونشر العدل، وإقامة الكتاب والسنة، ومنعه ذلك من الخفض 3 والدعة 4 ومهنأ العيش، علما بما الله سائله عنه، ومحبة أن يلقى الله مناصحا له في دينه وعباده، ومختارا لولاية عهده، ورعاية الأمة من بعده، أفضل من يقدر عليه في دينه وورعه وعلمه، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه، مناجيا الله بالاستخارة في ذلك ومسألته الهامة ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره، معملا في طلبه والتماسه في أهل بيته، من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن أبي طالب فكره ونظره، مقتصرا ممن علم حاله ومذهبه منهم على علمه، وبالغا في المسألة عمن خفي عليه أمره جهده وطاقته.
حتى استقصى أمورهم معرفة، وابتلى أخبارهم مشاهدة، واستبرأ أحوالهم معاينة، وكشف ما عندهم مساءلة.
فكانت خيرته بعد استخارته لله، وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده، في البيتين جميعا " علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) " لما رأى من فضله البارع، وعلمه النافع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخليه من الدنيا، وتسلمه من الناس.
وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة، والألسن عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة.
ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا وناشئا، وحدثا ومكتهلا، فعقد له بالعهد (بالعقد - خل) والخلافة من بعده 5، واثقا بخيرة الله في ذلك، إذ علم الله أنه فعله إيثارا له وللدين، ونظرا للإسلام والمسلمين، وطلبا للسلامة، وثبات الحجة (الحق - خ ل)، والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين.
ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وخدمه، فبايعوا مسرعين مسرورين، عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم، ممن هو أشبك منه رحما، وأقرب قرابة، وسماه " الرضا " إذ كان رضي عند أمير المؤمنين.
فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين، ومن بالمدينة المحروسة من قواده وجنده، وعامة المسلمين
(١٠١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1008 1009 1010 1011 1012 1013 1013 1018 1019 1020 1021 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الفصل الثاني: في ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) 685
2 فصل: في نسبه، وكنيته، ولقبه، وصفاته الحسنة 692
3 فصل: فيما ورد في حقه (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) 697
4 فصل: في علمه (عليه السلام) 702
5 فصل: في عبادته وزهادته (عليه السلام) 705
6 فصل: في جوده وكرمه (عليه السلام) 707
7 فصل: في شيء من كلامه (عليه السلام) 710
8 فصل: في ذكر طرف من أخباره (عليه السلام) ومدة خلافته 713
9 فصل: في ذكر وفاته ومدة عمره وإمامته (عليه السلام) 734
10 فصل: في ذكر أولاده (عليه السلام) 742
11 الفصل الثالث: في ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) 753
12 فصل: في ذكر نسبه وكنيته ولقبه (عليه السلام) 755
13 فصل: فيما ورد في حقه (عليه السلام) من جهة النبي (صلى الله عليه وآله) 756
14 فصل: في علمه وشجاعته وشرف نفسه وسيادته (عليه السلام) 763
15 فصل: في ذكر كرمه وجوده (عليه السلام) 767
16 فصل: في ذكر شيء من محاسن كلامه وبديع نظامه (عليه السلام) 770
17 فصل: في ذكر مخرجه (عليه السلام) إلى العراق 776
18 فصل: في ذكر مصرعه ومدة عمره وإمامته (عليه السلام) 809
19 ذكر من قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) ومن أهل بيته ومواليه 842
20 فصل: في ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم أفضل السلام 851
21 الفصل الرابع: في ذكر علي بن الحسين (عليهما السلام) 853
22 الفصل الخامس: في ذكر أبي جعفر محمد بن علي (عليهم السلام) 877
23 الفصل السادس: في ذكر أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) 907
24 الفصل السابع: في ذكر أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) 931
25 الفصل الثامن: في ذكر أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) 965
26 ذكر ولاية العهد من المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) 1005
27 الفصل التاسع: في ذكر أبي جعفر محمد الجواد بن علي الرضا (عليهما السلام) 1033
28 الفصل العاشر: في ذكر أبي الحسن علي المعروف بالعسكري (عليه السلام) 1061
29 الفصل الحادي عشر: في ذكر أبي محمد الحسن الخالص بن علي العسكري (عليه السلام) 1077
30 الفصل الثاني عشر: في ذكر أبي القاسم محمد 1095
31 علامات قيام القائم ومدة أيام ظهوره (عليه السلام) 1123
32 الفهارس 1137
33 فهرس الآيات 1139
34 فهرس الأحاديث الشريفة 1157
35 فهرس الأسماء و الكنى و الألقاب 1205
36 فهرس المذاهب والفرق 1323
37 فهرس الجماعات والقبائل والأقوام 1327
38 فهرس الأماكن والبلدان 1335
39 فهرس الحوادث والغزوات والحروب والوقائع 1349
40 فهرس الأشعار 1353
41 فهرس المنابع والمآخذ 1369