توسل بك وإن كان كافرا.
ألا ترى قوله تعالى: {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} وسيأتي الكلام على هذه الآية. وقيل غير ذلك.
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة قيل: بكت مكة لفقده بدموع الحرقة على الخد، وقالت: وا أسفاه على من أنزل عليه: {لا أقسم بهذا البلد} وهو مكة لحلولك فيه.
ومن جعل (لا) أصلية، فالمعنى: {لا أقسم بهذا البلد} وأنت حال فيه، بل أقسم بك وبحياتك وهذا يدل على علو قدره عند ربه، ورفعته التي لم يفز بها غيره.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها: (أن جبريل - عليه الصلاة والسلام - قال:
قلبت مشارق الأرض ومغاربها، فلم أر رجلا أفضل من محمد صلى الله عليه وآله وسلم).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما - من رواية أبي الجوزاء رضي الله عنه -: (ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفسا أكرم على الله من محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا رأيت الله - عز وجل - أقسم بحياة أحد إلا بحياته، فقال: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون}، والعمه في البصيرة والعمى في البصر).
وفي رواية عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (المعنى: وعيشك يا محمد إنهم لفي سكرتهم يعمهون).
وقال بعضهم: أقسم بحياة محمد لأن حياته كانت به، وهو في قبضة الحق وبساط القرب وشرف الانبساط، ومقام الاتفاق الذي لا يقوم به غيره، فبحياتك يكون القسم، فإن الكل زاغوا وما زغت، وما لوا وما ملت، حتى برأناك ونزلناك منزلة ما نالها غيرك، ولا ينالها أحد سواك.
وقيل: المعنى وحياتك التي خصصت بها بين الخلق، فحيوا بالأرواح، وحييت بنا.