شهدت على أحمد أنه رسول من الله بارئ النسم فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيرا له وابن عم وكنت عذابا على المشركين وأسقيهم كأس خوف وغم (1) ومن ذلك: ما رواه أيضا بإسناده عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد إجلالا له، وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبد المطلب، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج وهو غلام فيمشي حتى يجلس على الفراش، فيعظم ذلك على أعمامه ويأخذونه ليؤخروه، فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني فوالله إن له لشأنا عظيما، إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم، إني أرى غرته غرة تسود الناس، ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبله، ويقول: ما رأيت قبلة أطيب منه ولا أطهر قط، ثم يلتفت إلى أبي طالب - وذلك أن أبا طالب وعبد الله لام - فيقول: يا أبا طالب، إن لهذا الغلام لشأنا عظيما فاحفظه واستمسك به فإنه فرد وحيد، وكن له كالأم لا يوصل إليه بشئ يكرهه. ثم يحمله على عنقه فيطوف به أسبوعا، وكان عبد المطلب قد علم أنه يكره اللات والعزى فلا يدخله عليهما.
فلما تمت له ست سنين ماتت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة، وكانت قدمت به أخواله من بني عدي، فبقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتيما لا أب له ولا أم، فازداد عبد المطلب له رقة وحفظا.
وكانت هذه حاله حتى أدرك عبد المطلب الوفاة، فبعث إلى أبي طالب فجاءه ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم على صدره وهو في غمرات الموت فصار يبكي ويلتفت إلى أبي طالب ويقول: يا أبا طالب أنظر أن تكون حافظا