مرادهم فيه لم يكن لهم بذلك حجة، اتضح الأمر في أنهم قد تعذرت المعارضة عليهم، هذا وقد دعاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المعارضة وهم ذوو الأنفة والحمية، وطالبهم بالرجوع عن دياناتهم، والنزول عن رئاستهم، والبراءة من آبائهم وأسلافهم وأبنائهم، ومجاهدة من خالف دينه وإن كان من أنسابهم وأقربائهم، وعلموا أن بالمعارضة يزول ذلك كله ويبطل، فأي داع أقوى من هذا؟ وكيف لا يكونون مدعوين إليها وقد تحملوا ضروبا من الكلف والمشاق كالمحاربة وبذل الأموال ونظم الهجاء، مع أن كل ذلك لا يغني، فلو تيسرت لهم المعارضة لبادروا إليها، إذ كانت أسهل مما تكلفوه وتحملوه وأحسم للمادة من كل ما فعلوه.
وأما الذي يدل على أن تعذر المعارضة كان على وجه الإعجاز هو أن ما يمكن أن يدعى في ذلك أن يقال أنه عليه السلام كان أفصحهم فتأتي له ما لم يتأت لهم، أو يقال: إنه تعمل زمانا لم يكن طويلا فلم يتمكنوا مع قصر الزمان من معارضته، فإذا بطل هذان الوجهان لم يبق إلا أن هذا التعذر غير معهود، فهو خارق للعادة.
والذي يدل على فساد الوجه الأول: أن المطلوب في المعارضة ما يقارب الفصاحة، والأفصح يقاربه في كلامه وفصاحته من هو دون طبقته، فإذا لم يماثلوه ولم يقاربوه فقد انتقضت العادة، وأيضا فإن الأفصح إنما تمتنع مساواته ومجاراته في جميع كلامه أو أكثره وليس تمتنع مجاراته ومساواته في البعض منه على من هو دون طبقته، بهذا جرت العادة، ولهذا فقد ساوت الطبقة المتأخرة من الشعراء الطبقة المتقدمة منهم في البيت والأبيات، وربما زادوا عليهم في القليل، وإذا كان التحدي وقع بصورة قصيرة من عرض القرآن فكونه أفصح لا يمنع من مساواته في هذا القدر اليسير، وأيضا فليس يظهر من كلامه عليه السلام فصاحة تزيد على فصاحة غيره من القوم، ولو