فبك تثنى الخناصر، فخبرنا أيها البحر الخضم الزاخر ما الدليل على حدوث العالم؟
فقال له أبو عبد الله عليه السلام: (من أقرب الدليل على ذلك ما أذكره لك) ثم دعا ببيضة فوضعها في راحته ثم قال: (هذا حصن ملموم، باطنه غرقئ (1)، رقيق يطيف به كالفضة السائلة والذهبة المائعة، أفتشك في ذلك؟) قال أبو شاكر: لا شك فيه.
قال أبو عبد الله عليه السلام: (ثم إنه ينفلق عن صورة كالطاووس، أدخله شئ غير ما عرفت؟) قال: لا.
قال: (فهذا الدليل على حدوث العالم).
فقال أبو شاكر: دللت يا أبا عبد الله فأوضحت، وقلت فأحسنت، وذكرت فأوجزت، وقد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا، أو سمعناه بآذاننا، أو ذقناه بأفواهنا، أو شممناه بأنوفنا، أو لمسناه ببشرتنا.
فقال له أبو عبد الله عليه السلام: (ذكرت الحواس الخمس، وهي لا تنتفع في الاستنباط إلا بدليل، كما لا تنقطع الظلمة بغير مصباح) (2).
أراد عليه السلام أن الحواس لا توصل إلى العلم بالغائبات إلا بالعقل، وإن الذي أراه من حدوث الصورة معقول يوصل إلى العلم به بالمحسوس.
ومن ذلك: ما روي أنه سئل عن التوحيد والعدل فقال: (التوحيد أن لا