فإما تحلوا بشاطي الفرات * ومنا ومنهم عليه الجيف وإما تموتوا على طاعة * تحل الجنان وتحبوا الشرف وإلا فأنتم عبيد العصا * تسامون ضيما بطول العنف (1) قال: فحركت هذه الأبيات عليا رضي الله عنه، ثم مضى نحو رايات كندة، فإذا هو برجل قد وقف إلى جانب خيمة الأشعث بن قيس وهو يقول (2):
لئن (لم) (3) يجل الأشعث اليوم كربة * من الموت فيها للنفوس تفلت (4) فنشرب من ماء الفرات بسيفه * فهبنا أناسا قبل ذلك موتوا (5) فإن أنت لم تجمع لنا اليوم أمرنا * وتلقي التي فيها عليك التشتت فمن ذا الذي تنبي (6) الخناصر باسمه * سواك ومن هذا إليه التلفت وهل من بقاء بعد يوم وليلة * نظل عطاشا والعدو يصوت هلموا إلى ماء الفرات ودونه * صدور العوالي والصفيح المشتت وأنت امرؤ من عصبة يمنية * وكل امريء من غصنه حين ينبت قال: فرجع علي رضي الله عنه إلى رحله. وسمع الأشعث بن قيس هذه الأبيات فخرج من خيمته حتى أتى عليا. فقال: يا أمير المؤمنين! أيمنعنا القوم ماء الفرات وأنت فينا وسيوفنا في رقابنا؟ خل عني وعن الناس، فوالله لا رجعت عن الماء دون أن أرده أو أموت دونه! قال: وتابعه الأشتر بمثل هذا الكلام، فقال علي رضي الله عنه: ذلك إليكم فافعلوا ما أحببتم.
قال: فخرج الأشعث من عند علي رضي الله عنه وذلك في وقت السحر، ثم نادى في الناس: ألا! من كان يريد الموت فإن ميعادنا الصبح، فإني ناهض إلى الماء إن شاء الله.