ربيعة أن تكف عن القتال، وكانت بإزاء اليمن من صفوف أهل الشام.
فغدا [أبو الطفيل] عامر بن واثلة في قومه من كنانة وهم جماعة عظيمة، فتقدم أمام الخيل وهو يقول: طاعنوا وضاربوا. ثم حمل وهو يقول:
قد صابرت في حربها كنانه (1) * والله يجزيها بها جنانه من أفرغ الصبر عليه زانه * أو غلب الجبن عليه شانه أو كفر الله فقد أهانه * غدا يعض من عصى بنانه فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انصرف أبو الطفيل إلى علي فقال: " يا أمير المؤمنين، إنك نبأتنا أن أشرف القتل الشهادة، وأحظى الأمر الصبر، وقد والله صبرنا حتى أصبنا، فقتيلنا شهيد، وحينا ثائر (2)، فاطلب بمن بقي ثأر من مضى، فإنا وإن كان قد ذهب صفونا (3) وبقي كدرنا فإن لنا دينا لا يميل به الهوى، ويقينا لا يزحمه الشبهة ".
فأثنى علي عليه خيرا، ثم غدا يوم الجمعة عمير بن عطارد بجماعة من بني تميم، وهو يومئذ سيد مضر من أهل الكوفة، فقال: يا قوم، إني أتبع آثار أبي الطفيل وتتبعون آثار كنانة. فتقدم برايته وهو يقول:
قد ضاربت في حربها تميم * إن تميما خطبها عظيم لها حديث ولها قديم * إن الكريم نسله كريم إن لم تزرهم رايتي فلوموا (4) * دين قويم وهوى سليم فطعن برايته حتى خضبها دما، وقاتل أصحابه قتالا شديدا حتى أمسوا،