بن جويرية (1) قال يوم صفين: " ألا إن مرعى الدنيا قد أصبح هشيما (2)، وأصبح زرعها حصيدا، وجديدها سملا، وحلوها مر المذاق. ألا وإني أنبئكم نبأ امرئ صادق، إني سئمت الدنيا، وعزفت نفسي عنها. وقد كنت أتمنى الشهادة، وأتعرض لها في كل حين (3)، فأبى الله إلا أن يبلغني هذا اليوم.
ألا وإني متعرض ساعتي هذه لها، وقد طمعت ألا أحرمها. فما تنتظرون عباد الله من جهاد أعداء الله؟ أخوف الموت القادم عليكم، الذاهب بأنفسكم لا محالة، أو من ضربة كف أو جبين بالسيف؟! أتستبدلون الدنيا بالنظر إلى وجه الله عز وجل، أو مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار القرار. ما هذا بالرأي السديد ". ثم قال: " يا إخوتاه، إني قد بعت هذه الدار بالدار التي أمامها. وهذا وجهي إليه، لا يبرح الله وجوهكم (4) ولا يقطع الله أرحامكم ".
فتبعه إخوته عبيد الله وعوف ومالك وقالوا (5): " لا نطلب رزق الدنيا بعدك. قبح الله العيش بعدك. اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك ". فاستقدموا [جميعا] فقاتلوا حتى قتلوا.
نصر: عمر، حدثني رجل من آل الصلت بن خارجة، أن تميما لما ذهبت لتنهزم [ذلك اليوم] ناداهم مالك بن حري النهشلي (6): " ضاع الضراب اليوم