نصر، عن عمر (1)، عن مالك بن أعين، عن زيد بن وهب، أن عليا لما رأى ميمنته قد عادت إلى موقفها ومصافها وكشف من بإزائها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم، أقبل حتى انتهى إليهم فقال: إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم، يحوزكم (2) الجفاة الطغام وأعراب أهل الشام، وأنتم لهاميم العرب، والسنام الأعظم، وعمار الليل بتلاوة القرآن، وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون (3). فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكركم بعد انحيازكم، وجب عليكم ما وجب على المولى يوم الزحف دبره، وكنتم فيما أرى من الهالكين. ولقد هون على بعض وجدي، وشفى بعض أحاح نفسي (4) أني رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم، وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم، تحوزونهم بالسيوف ليركب أولهم آخرهم، كالإبل المطردة الهيم (5). فالآن فاصبروا، أنزلت عليكم السكينة، وثبتكم الله باليقين. وليعلم المنهزم أنه مسخط لربه، وموبق نفسه، وفي الفرار موجدة الله عليه، والذل اللازم [له، والعار الباقي، واعتصار الفيئ من يده (6)]، وفساد العيش، وإن الفار لا يزيد الفرار في عمره، ولا يرضي ربه. فموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها (7) والإقرار عليها.
(٢٥٦)