فكانوا في منار لهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام. فكان أفضلهم في إسلامه، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة من بعده، وخليفة خليفته، والثالث الخليفة المظلوم عثمان، فكلهم حسدت، وعلى كلهم بغيت. عرفنا ذلك في نظرك الشزر، وفي قولك الهجر، وفي تنفسك الصعداء، وفي إبطائك عن الخلفاء، تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش (1) حتى تبايع وأنت كاره.
ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان، وكان أحقهم ألا تفعل به ذلك في قرابته وصهره، فقطعت رحمه، وقبحت محاسنه، وألبت الناس عليه، وبطنت وظهرت، حتى ضربت إليه آباط الإبل، وقيدت إليه الخيل العراب، وحمل عليه السلاح في حرم رسول الله، فقتل معك في المحلة وأنت تسمع في داره الهائعة (2)، لا تردع الظن والتهمة عن نفسك فيه بقول ولا فعل.
فأقسم صادقا أن لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا، ولمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان والبغي عليه. وأخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين: إيواؤك قتلة عثمان، فهم عضدك وأنصارك ويدك وبطانتك (3). وقد ذكر لي أنك تنصل من دمه، فإن كنت صادقا فأمكنا من قتلته نقتلهم به، ونحن أسرع [الناس] إليك. وإلا فإنه فليس لك ولا لأصحابك إلا السيف. والذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال، والبر والبحر، حتى يقتلهم الله، أو لتلحقن أرواحنا بالله. والسلام.