اتفقوا على التخاذل والتساكت فلا تزال الأيام تأخذ من بصائرهم، وتنقص من ضمائرهم وتنقض من مرائرهم، حتى تصير البدعة التي أحدثوها غامرة للسنة التي كانوا يعرفونها، ولقد كان الحجاج ومن ولاه، كعبد الملك والوليد ومن كان قبلهما وبعدهما من فراعنة بني أمية على إخفاء محاسن علي (عليه السلام) وفضائل ولده وشيعته، وإسقاط أقدارهم أحرص منهم على اسقاط قراءة عبد الله وأبي، لأن تلك القراءات لا تكون سببا لزوال ملكهم، وفساد امرهم، وانكشاف حالهم، وفي اشتهار فضل علي (عليه السلام) وولده واظهار محاسنهم بوارهم، وتسليط حكم الكتاب المنبوذ عليهم، فحرصوا واجتهدوا في اخفاء فضائله، وحملوا الناس على كتمانها وسترها، وأبى الله ان يزيد امره وأمر ولده الا استنارة واشراقا، وحبهم الا شغفا وشدة، وذكرهم الا انتشارا وكثرة، وحجتهم إلا وضوحا وقوة، وفضلهم إلا ظهورا، وشأنهم إلا علوا وأقدارهم إلا اعظاما، حتى أصبحوا بإهانتهم إياهم أعزاء، وبإماتتهم ذكرهم احياء، وما أرادوا به وبهم من الشر تحول خيرا، فانتهى الينا من ذكر فضائله وخصائصه ومزاياه وسوابقه ما لم يتقدمه السابقون ولا ساواه فيه القاصدون، ولا يلحقه الطالبون، ولولا انها كانت كالقبلة المنصوبة في الشهرة، وكالسنن المحفوظة في الكثرة، لم يصل الينا منها في دهرنا حرف واحد، ان كان الامر كما وصفناه.
قال: فاما ما احتج به الجاحظ بإمامة أبي بكر، بكونه أول الناس اسلاما، فلو كان هذا احتجاجا صحيحا، لاحتج به أبو بكر يوم السقيفة، وما رأيناه صنع ذلك لأنه اخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجراح، وقال للناس: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما من شئم، ولو كان هذا احتجاجا صحيحا لما قال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها، ولو كان احتجاجا صحيحا لادعى واحد من الناس لأبي بكر الإمامة في عصره أو بعد عصره بكونه سبق إلى الاسلام، وما عرفنا أحدا ادعى له ذلك، على أن جمهور المحدثين لم يذكروا أن أبا بكر