منا معك، أسلمنا معنا وجاهدنا معك؟ قال: نعم قوم يكونون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني. قال الحاكم (١) هذا حديث صحيح الإسناد.
قال ابن عبد البر: قد عارض قوم هذه الأحاديث بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم:
خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وهو حديث حسن المخرج، جيد الأسانيد، وليس ذلك عندي بمعارض لأن قوله: خير الناس قرني ليس على عمومه، بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول، وقد جمع قرنه من السابقين من المهاجرين والأنصار جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان، وأهل الكبائر الذين أقام عليهم وعلى بعضهم الحد، رد وقال: أنتم ما تقولون في الشارب والسارق والزاني وقال صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى:
﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ (2) قال: من فعل منكم فعلها كان مثلها وقال ابن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنه: في قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ثم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدرا والحديبية وهذا كله يشهد أن خير قومه فضلاء أصحابه وقد قيل في قول الله - عز وجل -: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) أمة محمد صلى الله عليه وسلم يعني الصالحين منهم وأهل الفضل وكنتم شهداء على الناس يوم القيامة، قالوا: إنما صار أول هذه الأمة خير القرون لأنهم آمنوا به حين كفر الناس، وصدقوه حين كذبه الناس، وعزروه، ونصروه، وآووه وواسوه بأموالهم وأنفسهم وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوه في الإسلام.
وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب مع قوله خير الناس قرني في قوته إنما قيل: لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبروا على إيذائهم وتمسكهم، وأن آخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهرج والكبائر، كانوا عند ذلك أيضا