الأدب (1)، بزيادة ألفاظ ونقص ألفاظ. وخرجه مسلم من طرق، وخرجه
(١) (المرجع السابق): ١٠ / ٥٨٧، كتاب الأدب، باب (٥٦) قول الله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) وقوله: (ثم بغى عليه لينصرنه الله) وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر، حديث رقم (٦٠٦٣).
قال القاضي عياض: فإن قلت: فقد جاءت الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم سحر كما حدثنا الشيخ أبو محمد العتابي بقراءتي عليه، قال: أخبرنا حاتم بن محمد، أخبرنا أبو الحسن علي بن خلف، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا البخاري [بسنده] عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشئ وما فعله). وفي رواية أخرى: (حتى كان يخيل إليه أنه كان يأتي النساء ولا يأتيهن).
وإذا كان هذا من التباس الأمر على المسحور، فكيف حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وكيف جاز عليه، وهو معصوم؟
فاعلم - وفقنا الله وإياك - أن هذا الحديث صحيح متفق عليه، وقد طعنت فيه الملحدة، وتذرعت به لسخف عقولها، وتلبيسها على أمثالها في التشكيك في الشرع.
وقد نزه الله تعالى الشرع والنبي عما يدخل في أمره لبسا، وإنما السحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه كأنواع الأمراض، مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته.
وأما ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم، كان يخيل إليه أنه فعل الشئ ولا يفعله، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شئ من تبليغه، أو شريعته، أو يقدح في صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طروؤه عليه في دنياه التي لم يبعث بسببها، ولا فصل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات، كسائر البشر، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان. (الشفا): ٢ / ١٦٠ - ١٦١.
والمشط: معروف، والمشاطة: هي الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه، والجف:
وعاء طلع النخل، وهو الغشاء الذي يكون عليه، ويطلق على الذكر والأنثى، ولذا قيده في الحديث بقوله: (طلعة ذكر).
قال العلامة ابن القيم: ومن أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية، بل هي أدويته النافعة بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار، والآيات، والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كانت أقوى وأشد، كانت أبلغ في النشرة [ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن، سميت نشرة، لأنه ينشر بها عنه ما ضاره من الداء].
وذلك بمنزلة التقاء جيشين، مع كل واحد منهما عدته وسلاحه، فأيهما غلب الآخر قهره، وكان الحكم له، فالقلب إذا كان ممتلئا من الله مغمورا بذكره، وله من التوجهات، والدعوات، والأذكار، والتعوذات، ورد لا يخل به، يطابق فيه قلبه لسانه، كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه.
وعند السحرة: أن سحرهم إنما يتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة، والنفوس الشهوانية التي هي معلقة بالسفليات، ولهذا فإن غالب ما يؤثر في النساء، والصبيان، والجهال، وأهل البوادي، ومن ضعف حظه من الدين، والتوكل، والتوحيد، ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية، والدعوات والتعوذات النبوية، وبالجملة: فسلطان تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة، التي يكون ميلها إلى السفليات. قالوا: والمسحور هو الذي يعين على نفسه، فإنا نجد قلبه متعلقا كثير الالتفات إليه، فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والالتفات.
والأرواح الخبيثة إنما تتسلط على أرواح تلقاها مستعدة لتسلطها عليها، بميلها إلى ما يناسب تلك الأرواح الخبيثة، وبفراغها من القوة الإلهية، وعدم أخذها للعدة التي تحاربها بها، فتجدها فارغة لا عدة معها، وفيها ميل إلى ما يناسبها، فتتسلط عليها، ويتمكن تأثيرها فيها بالسحر وغيره. والله تعالى أعلم. (زاد المعاد): 4 / 126 - 127.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فكرهت أن أثير على الناس شرا)، معناه أنه صلى الله عليه وسلم ترك استخراج السحر خشية أن يثور على الناس منه شر، فسلك مسلك العدل في أن لا يحصل لمن لم يتعاط السحر من أثر الضرر الناشئ عن السحر شر وسلك مسلك الإحسان في ترك عقوبة الجاني (فتح الباري): 10 / 588.
وأخرجه البخاري في (الطب) باب (47) السحر، حديث رقم (5763) وفي باب (49) هل يستخرج السحر، حديث رقم (5765)، وأخرجه مختصرا في كتاب الجزية والموادعة باب (14) هل يعفى عن الذمي إذا سحر، حديث رقم (3175).