إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٨ - الصفحة ١٧
وخرج الترمذي من حديث محمد بن السائب بن بركة، عن أمه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك، أمر بالحساء فصنع، ثم أسرهم فحسوا منه، وكان يقول: إنه ليرتق (1) فؤاد المريض، ويسرو (2) عن فؤاد السقيم، كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها (3). هذا لفظ الترمذي.
وقال النسائي: وفؤاد المريض، وقال: كما يسرو أحدكم الوسخ بالماء عن وجهه (4). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقد رواه ابن المبارك عن يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة [رضي الله عنها]، عن النبي صلى الله عليه وسلم (5).

(1) يرتق: يشد ويرخي، والمراد هنا الشد، لأن الحزن يرخي القلب.
(2) يسرو: بمعنى يكشف ويجلو.
(3) (سنن الترمذي): 4 / 336، كتاب الطب، باب (3) ما جاء ما يطعم المريض، حديث رقم (2039).
(4) (النسائي في الكبرى): الطب، باب الدواء بالتلبينة.
(5) ثم قال: حدثنا بذلك الحسين بن محمد، حدثنا به أبو إسحاق الطالقاني عن ابن المبارك.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1140، كتاب الطب، باب (5) التلبية، حديث رقم (3445)، وفيه: (إنه ليرتو فؤاد الحزين، ويسر عن فؤاد السقيم)، وحديث رقم (3446) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالبغيض النافع التلبينة) يعني الحساء، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البرمة على النار، حتى ينتهي أحد طرفيه، يعني: يبرأ أو يموت.
وأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) 5 / 38، كتاب الطب، باب (13) في التلبينة، حديث رقم (23491).
وأخرجه الحاكم في (المستدرك): 4 / 227، كتاب الطب، حديث رقم (7454)، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص): هكذا رواه المعافي بن سليمان عنه، ورواه زيد بن الحباب، عن فليح، عن أم مبشر بدل أم المنذر، قال: صحيح.
وحديث رقم (7455)، وقال في (التلخيص): أيمن هو ابن نايلة، صحيح.
وأخرجه الإمام مسلم في كتاب السلام، باب (30) التلبية مجمة لفؤاد المريض، حديث رقم (2216).
قال العلامة ابن القيم: التلبين: هو الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن - ومن اشتق اسمه، قال الهروي: سميت تلبينة لشبهها باللبن، لبياضها ورقتها، وهذا الغذاء هو النافع للعليل، وهو الرقيق النضيح، لا الغليظ النيئ.
وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة، فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم، فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحا، والتلبينة تطبخ منه مطحونا، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن.
وقد تقدم أن للعادات تأثيرا في الانتفاع بالأدوية والأغذية، وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحونا لا صحاحا، وهو أكثر تغذية، وأقوى فعلا، وأعظم جلاء، وإنما اتخذه أطباء المدن منه صحاحا ليكون أرق وألطف، فلا يثقل على طبيعة المريض، وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورخاوتها، وثقل ماء الشعير المطحون عليها.
والمقصود: أن ماء الشعير مطبوخا صحاحا ينفذ سريعا، ويجلو جلاء ظاهرا، ويغذى غذاء لطيفا، وإذا شرب حارا كان جلاؤه أقوى، ونفوذه أسرع، وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر، وتلميسه لسطوح المعدة أوفق.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (فيها مجمة ج لفؤاد المريض)، يروى بوجهين: بفتح الميم والجيم، وبضم الميم وكسر الجيم، والأول أشهر، ومعناه: أنها مريحة له، أي تريحه وتسكنه من الإجمام وهو الراحة.
وقوله: (تذهب ببعض الحزن)، هذا - والله تعالى أعلم - لأن الغم والحزن يبردان المزاج، ويضعفان الحرارة الغريزية، لميل الروح الحامل لها إلى جهة القلب الذي هو منشؤها، وهذا الحساء يقوي الحرارة الغريزية بزيادته في مادتها، فتزيل أكثر ما عرض له من الغم والحزن.
وقد يقال - وهو أقرب -: إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية، والله تعالى أعلم... (زاد المعاد): 4 / 120 - 121.
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 14 15 16 17 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست