مفاضلة بين أجزاء الوقت الواحد، وكذا يحمل عمل المغيرة وغيره من الصحابة، ولم أقف في شئ من الروايات على جواب المغيرة لأبي مسعود، والظاهر أنه رجع إليه والله أعلم......
وأما ما زاده عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري في هذه القصة قال: فلم يزل عمر يعلم الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا، رواه أبو الشيخ في كتاب (المواقيت) له من طريق الوليد عن الأوزاعي عن الزهري قال: " ما زال عمر بن عبد العزيز يتعلم مواقيت الصلاة حتى مات ". ومن طريق إسماعيل ابن حكيم " أن عمر بن عبد العزيز جعل ساعات ينقضين مع غروب الشمس " زاد من طريق ابن إسحاق عن الزهري " فما أخرها حتى مات ". فكله يدل على أن عمر لم يكن يحتاط في الأوقات كثير احتياط إلا بعد أن حدثه عروة بالحديث المذكور.
وقد نبه الحافظ ابن حجر على أنه قد ورد في هذه القصة من وجه آخر عن الزهري بيان أبي مسعود للأوقات، وفي ذلك ما يرفع الإشكال، ويوضح توجيه احتجاج عروة به، فروى أبو داود وغيره، وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق ابن وهب، والطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب، كلاهما عن أسامة بن زيد، عن الزهري هذا الحديث بإسناده، وزاد في آخره: " قال أبو مسعود: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر حين تزول الشمس " فذكر الحديث.
وذكر أبو داود أن أسامة بن زيد تفرد بتفسير الأوقات فيه، وأن أصحاب الزهري لم يذكروا ذلك.
قال: وكذا رواه هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة، لم يذكروا تفسيرا.
ورواية هشام أخرجها سعيد بن منصور في سننه، ورواية حبيب أخرجها الحارث بن أبي أسامة في مسنده. وقد وجدت ما يعضد رواية أسامة ويزيد عليها، أن البيان من فعل جبريل، وذلك فيما رواه الباغندي في (مسند عمر بن عبد العزيز)، والبيهقي في (السنن الكبرى) من طريق يحيى ابن سعيد الأنصاري، عن أبي بكر بن حزم أنه بلغه عن أبي مسعود، فذكره منقطعا.
لكن رواه الطبراني من وجه آخر عن أبي بكر عن عروة، فرجع الحديث إلى عروة، ووضح أن له أصلا، وأن في رواية مالك ومن تابعه اختصارا، وبذلك جزم ابن عبد البر، وليس في رواية مالك ومن تابعه ما ينفي الزيادة المذكورة، فلا توصف والحالة هذه بالشذوذ. وفي هذا الحديث من الفوائد.
(1) دخول العلماء على الأمراء.
(2) إنكارهم عليهم ما يخالف السنة.
(3) إستثبات العالم فيما يستقر به السماع.
(4) الرجوع عند التنازع إلى السنة. (5) فيه فضيلة عمر بن عبد العزيز.
(6) فيه فضيلة المبادرة بالصلاة في الوقت الفاضل.
(7) قبول خبر الواحد الثبت.
(8) استدل به ابن بطال وغيره على أن الحجة بالمتصل دون المنقطع، لأن عروة أجاب عن استفهام عمر له لما أن أرسل الحديث بذكر من حدثه به فرجع إليه، فكأنما عمر قال له: تأمل ما تقول، فلعله بلغك عن غير ثبت. فكأن عروة قال له: بل قد سمعته ممن قد سمع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصاحب قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
(9) واستدل به عياض على جواز الاحتجاج بمرسل الثقة، كصنيع عروة حين احتج عمر قال:
وإنما راجعه عمر لتثبته فيه، لا لكونه لم يرض به مرسلا. كذلك قال، وظاهر السياق يشهد لما قال ابن بطال. وقال ابن بطال أيضا:......
(10) في هذا الحديث دليل على ضعف الحديث الوارد في أن جبريل أم بالنبي صلى الله عليه وسلم في يومين لوقتين مختلفين لكل صلاة، قال: لأنه لو كان صحيحا لم ينكر عروة على عمر صلاته في آخر الوقت محتجا بصلاة جبريل، مع أن جبريل قد صلى في اليوم الثاني في آخر الوقت وقال: " الوقت ما بين هذين ".
وأجيب باحتمال أن تكون صلاة عمر كانت خرجت عن وقت الاختيار وهو مصير ظل الشئ مثليه، لا عن وقت الجواز وهو مغيب الشمس، فيتجه إنكار عروة، ولا يلزم منه ضعف الحديث. أو يكون عروة أنكر مخالفة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصلاة في أول الوقت، ورأى أن الصلاة بعد ذلك إنما هي لبيان الجواز، فلا يلزم منه ضعف الحديث أيضا.
وقد روى سعيد بن منصور من طريق طلق بن حبيب مرسلا قال: " إن الرجل ليصلي الصلاة وما فاتته، ولما فاته من وقتها خير له من أهله وماله ". ورواه أيضا عن ابن عمر من قوله، ويؤيد ذلك احتجاج عروة بحديث عائشة في كونه صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، وهي الصلاة التي وقع الإنكار بسببها، وبذلك تظهر مناسبة ذكره لحديث عائشة بعد حديث أبي مسعود، لأن حديث عائشة يشعر بمواظبته على صلاةالعصر في أول الوقت، وحديث أبي مسعود يشعر بأن أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريل. (فتح الباري): 2 / 3 - 8، كتاب مواقيت الصلاة، باب مواقيت الصلاة وفضلها، حيث رقم (521)، وذكر البخاري نحوا منه في كتاب بدء الخلق، حديث رقم (3221): " أما إن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: اعلم ما تقول يا عروة، قال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
نزل جبريل فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات.
وذكره البخاري في كتاب المغازي (حديث رقم 4007): " سمعت عروة بن الزبير يحدث عمر ابن عبد العزيز في إمارته: أخر المغيرة بن شعبةالعصر وهو أمير الكوفة، فدخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن شهد بدرا فقال: لقد علمت نزل جبريل فصلى، فصلىرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات ثم قال: هكذا أمرت، ذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه ".
ورواه مسلم في المساجد باب استحباب التبكير بالعصر، والموطأ 1 / 8 - 9 في وقت الصلاة، وأبو داود في الصلاة، باب في وقت صلاةالعصر، والنسائي في المواقيت، باب تعجيل العصر.
وأما قول عروة: " ولقد حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر "، فهو الحديث الذي ذكره البخاري برقم (522) في كتاب مواقيت الصلاة بعد الحديث السابق شرحه وتخريجه، وقد ذكر البخاري نحوا منه في باب وقت العصر من كتاب مواقيت الصلاة، الأحاديث أرقام: (544)، (545)، (546)، بسياقات متقاربة مفادها أن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتي، لم يظهر الفئ بعد ". قال الحافظ ابن حجر: والحاصل أن أنس بن عياض - وهو أبو ضمرة الليثي - وأبا أسامة رويا الحديث عن هشام - وهو ابن عروة بن الزبير - عن أبيه عن عائشة، وزاد أبو أسامة التقييد بقعر الحجرة، وهو أوضح في تعجيل العصر من الرواية المطلقة، وقد وصل الإسماعيلي طريق أبي أسامة في مستخرجه، لكن بلفظ " والشمس واقعة في حجرتي، وعرف بذلك أن الضمير في قوله:
" حجرتها " لعائشة، وفيه نوع التفات، وإسناد أبي ضمرة كلهم مدنيون، والمراد بالحجرة - وهي بضم المهملة وسكون الجيم - البيت، والمراد بالشمس ضوؤها، وقوله في رواية الزهري: " والشمس في حجرتها "، أي باقية، وقوله: " لم يظهر الفئ "، أي في الموضع الذي كانت الشمس فيه، ومن طريق مالك عن الزهري بلفظ: " والشمس في حجرتها قبل أن تظهر "، أي ترتفع، فهذا الظهور غير ذلك الظهور، ومحصله أن المراد بظهور الشمس خروجها من الحجرة، وبظهور الفئ انبساطه في الحجرة، وليس بين الروايتين اختلاف، لأن انبساط الفئ لا يكون إلا خروج الشمس. (فتح الباري): 2 / 31 - 32، كتاب مواقيت الصلاة.