واعترض على هذا بوجوه:
أحدها: ما ذكروه يجوز أن يستعمل في الأعلى والأدنى، فلو قلت: أحسن إلى ابنك وأهلك كما أحسنت إلى مركوبك وخادمك ونحوه، جاز ذلك.
ومن معلوم أنه لو كان التشبيه في أصل الصلاة لحسن أن تقول: اللهم صل على محمد كما صليت على آل أوفي، أو كما صليت على آحاد المؤمنين ونحوه، أو كما صليت على آدم ونوح، وهود ولوط، فإن التشبيه عند هؤلاء إنما هو واقع في أصل الصلاة لا في قدرها ولا في صفتها، ولا فرق في ذلك بين كل من صلى عليه، وأي مزية في ذلك لإبراهيم وآله، وما الفائدة حينئذ. في ذكره وذكر آله، وكان الكافي في ذلك أن يقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فقط.
الثاني: أن الأمثلة المذكور ليست بنظير الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها نوعان: خبر وطلب، فما كان منها خبرا فالمقصود بالتشبيه الاستدلال والتقريب إلى الفهم، وتقرير ذلك الخبر وأنه لا ينبغي لعاقل إنكاره كنظيره المشبه به، فكيف تنكرون الإعادة وقد وقع الاعتراف بالبداءة وهي نظيرها، وحكم النظير حكم نظيره.
ولهذا يحتج سبحانه بالمبدأ على المعاد كثيرا، قال تعالى: ﴿كما بدأكم تعودون﴾ (١)، وقال تعالى: ﴿كما بدأنا أول خلق نعيده﴾ (٢)، وقال تعالى:
﴿وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾ (٣)، وهذا كثير في القرآن.
وكذلك قوله تعالى: ﴿إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا﴾ (4)، أي كيف يقع الإنكار منكم وقد تقدم قبلكم رسل مني مبشرين ومنذرين، وقد علمتم حال من عصى رسلي كيف أخذتهم أخذا وبيلا.