وكذلك قوله تعالى: ﴿إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح﴾ (١) الآية، أي لست أول رسول طرق العالم، قد تقدمت قبلك رسل أوحيت إليهم كما أوحيت إليك كما قال تعالى: ﴿قل ما كنت بدعا من الرسل﴾ (٢)، فهذا رد وإنكار على من أنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم مع مجيئه صلى الله عليه وسلم ولست من الأمور التي لم تطرق العالم، بل لم تخل الأرض من الرسل وآثارهم، فرسولكم جاء على منهاج من تقدمه من الرسل في الرسالة لم يكن بدعا.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعلموا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم﴾ (3)، إخبار عن عادته سبحانه وتعالى في خلقه، وحكمته التي لا تبديل لها، من آمن وعمل صالحا مكن له في الأرض واستخلفه فيها ولم يهلكه ويقطع دابره كما أهلك من كذب رسله وخالفهم وأخبرهم سبحانه وتعالى عن معاملته من آمن برسله وصدقهم، وأنه لم يفعل بهم كما فعل بمن قبلهم من أتباع الرسل.
وهكذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، وتغدوا خماصا وتروح بطانا "، إخبار بأنه سبحانه وتعالى يرزق المتوكلين عليه من حيث لا يحتسبون، وأنه لا يخليهم من رزق قط كما ترون ذلك في الطير فإنها تغدوا من أو كارها خماصا فيرزقها سبحانه وتعالى حتى ترجع بطانا من رزقه، فأنتم أكرم على الله سبحانه وتعالى من الطير ومن سائر الحيوانات، فلو توكلتم عليه سبحانه وتعالى لرزقكم من حيث لا تحتسبون، ولم يمنع أحدا منكم رزقه، هذا ما كان من قبيل الإخبار.
وأما في قسم الطلب والأمر، فالمقصود منه التنبيه على العلة وأن الجزاء من جنس العمل، فإذا قلت: علم كما علمك الله، وأحسن الله إليك، واعف كما عفا الله عنك.. ونحوه، كان في ذلك تنبيها للمأمور على شكر النعمة التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليه، وأنه حقيق أن يقابلها بمثلها ويقيدها بشكرها، وأن جزاء تلك النعمة من جنسها، ومعلوم أنه يمتنع خطاب الرب سبحانه وتعالى بشئ