إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ٢٣٧
وله من حديث أبي عوانة عن أبي بشير، عن سعيد عن جابر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنا سيد ولد آدم.
وله من حديث أحمد بن أبي ظبية عن أبيه عن عبد الله بن جابر عن عطاء عن أم كرز أنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا سيد المؤمنين إذا بعثوا، وسابقهم (1)، إذا وردوا، ومبشرهم إذا أبلسوا (2)، وإمامهم إذا سجدوا، وأقربهم مجلسا من الرب تعالى إذا اجتمعوا، [أقوم] (3)، فأتكلم فيصدقني، وأشفع فيشفعني، وأسأل فيعطيني (4).
وله من حديث الحرث بن أسامة قال: حدثنا عبد العزيز بن إبان، حدثنا إسرائيل عن آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنه يقول: تصير الأمم يوم القيامة تجئ كل أمة نبيها فيرقاهم على كوم فيقول: يا فلان إشفع، فيردها بعضهم إلى بعض حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المقام المحمود الذي قال الله تعالى عنه: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (5).

(١) كذا في (خ): وفي (الخصائص): ٣ / ٢٢٢، وفي (دلائل أبي نعيم): " وسائقهم ".
(٢) أبلسوا: أسكتوا من الحزن، ومنه إبليس لعنه الله، وفي التنزيل: (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون)، (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون)، (حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون)، (لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون)، (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) [١٢: الروم]، [٤٤: الأنعام]، [٧٧:
المؤمنون]، [٧٥: الزخرف]، [٤٩: الروم] على الترتيب.
(٣) في (خ): " أقول "، وما أثبتناه من رواية أبي نعيم.
(٤) أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة): ١ / ٦٧، الفصل الرابع، ذكر الفضيلة الرابعة بإقسام الله تعالى بحياته، وتفرده بالسيادة لولد آدم في القيامة، وما فضل به هو وأمته على سائر الأنبياء وجميع الأمم صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (٢٩). وقال السيوطي في (الخصائص): ٣ / ٢٢٢ " أخرجه أبو نعيم عن أم كرز ".
(٥) ٧٩: الأسراء، و (عسى)، مدلولها في المحبوبات الترجي، فقيل: هو على بابها في الترجي تقديره لتكن على رجا من أن (يبعثك). وقيل هي بمعنى كي، وينبغي أن يكون هذا تفسير معنى.
والأجود أن هذه الترجية والإطماع بمعني الوجود من الله تعالى، وهو متعلق من حيث المعنى بقوله:
(فتهجد). و (عسى) هنا تامة، وفاعلها (أن يبعثك)، و (ربك) فاعل ببعثك، و (مقاما) الظاهر أنه معمول ليبعثك، هو مصدر من غير لفظ الفعل، لأن يبعثك بمعنى يقيمك، تقول: أقيم من قبره، وبعث من قبره. وقال ابن عطية: منصوب على الظرف أي في مقام محمود. وقيل: منصوب على الحال، أي ذا مقام محمود. وقيل: هو مصدر لفعل محذوف، التقدير فتقوم (مقاما)، ولا يجوز أن تكون (عسى) هنا ناقصة، وتقدم الخبر على الاسم فيكون (ربك) مرفوعا اسم (عسى) و (أن يبعثك) الخبر في موضع نصب بها، إلا في هذا الإعراب الأخير.
وفي تفسير المقام المحمود أقوال:
أحدها: أنه في أمر الشفاعة التي يتدافعها الأنبياء حتى تنتهي إليه صلى الله عليه وسلم، والحديث في الصحيح، وهي عدة من الله تعالى له صلى الله عليه وسلم، وفي هذه الشفاعة يحمده أهل الجمع كلهم، في دعائه المشهور:
" وابعثه المقام المحمود الذي وعدته " واتفقوا على أن المراد منه الشفاعة.
الثاني: أنه في أمر شفاعته لأمته في إخراجه لمذنبهم من النار، وهذه الشفاعة لا تكون إلا بعد الحساب ودخول الجنة ودخول النار، وهذه لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء. وقد روي حديث الشفاعة وفي آخره: " حتى لا يبقى في النار إلا من حسبه القرآن "، أي وجب عليه الخلود.
قال: ثم تلا هذه الآية (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا). وعن أبي هريرة أنه عليه السلام قال: " المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي " فظاهر هذا الكلام تخصيص شفاعته لأمته، وقد تأوله من حمل ذلك على الشفاعة العظمى، التي يحمده بسببها الخلق كلهم، على أن المراد لأمته وغيرهم، أو قال: إن كل مقام منها محمود.
الثالث: عن حذيفة: يجمع الناس في صعيد فلا تتكلم نفس، فأول مدعو محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول:
لبيك وسعديك والشر ليس إليك، والمهدى من هديت، وعبدك بين يديك، وبك وإليك، لا منجأ ولا ملجأ إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت. قال: فهذا قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا).
الرابع: قال الزمخشري: معنى المقام المحمود المقام الذي يحمده القائم فيه، وكل من رآه وعرفه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات (ا. ه‍)، وهو قول حسن ولذلك نكر (مقاما محمودا)، فلم يتناول مقاما مخصوصا، بل كل مقام محمود صدق عليه إطلاق اللفظ.
الخامس: ما قالت فرقة - منها مجاهد - وقد روى أيضا عن ابن عباس أن المقام المحمود هو أن يجلسه الله تعالى معه على العرش. وذكر الطبري في ذلك حديثا، وذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا. قال ابن عطية:
يعني من أنكر جوازه على تأويله. وقال أبو عمر ومجاهد: إن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل علم هذا أحدهما، والثاني تأويل (إلى ربها ناظرة) [22: القيامة]، قال تنتظر الثواب ليس من النظر، وقد يؤول قوله معه على رفع محله وتشريفه على خلقه كقوله: (إن الذين عند ربك) [206: الأعراف]، وقوله: (ابن لي عندك بيتا) [11: التحريم]، و (إن الله لمع المحسنين) [69: العنكبوت]، كل ذلك كناية عن المكانة لا عن المكان.
وقال الواحدي: هذا القول مروي عن ابن عباس وهو قول رذل، موحش، فظيع، لا يصح مثله عن ابن عباس، ونص الكتاب ينادي بفساده من وجوه:.....
الأول: أن البعث ضد الإجلاس، بعث التارك، وبعث الله الميت أقامه من قبره، فتفسير البعث بالإجلاس تفسير الضد بالضد.
الثاني: لو كان جالسا - تعالى - على العرش لكان محمودا متناهيا، فكان يكون محدثا.
الثالث: أنه قال: (مقاما) ولم يقل مقعدا (محمودا)، والمقام موضع القيام لا موضع القعود.
الرابع: أن الحمقى والجهال يقولون: أن أهل الجنة يجلسون كلهم معه تعالى ويسألهم عن أحوالهم الدنيوية، فلا مزية له بإجلاسه معه!
الخامس: إذا قيل: بعث السلطان فلانا، لا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه، (البحر المحيط):
7 / 100 - 102، تفسير سورة الإسراء.
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 235 236 237 239 240 241 242 243 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر مجيء الملك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالات ربه تعالى 3
2 ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
3 ذكر الاختلاف في شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى كان وأين وقع؟ 32
4 ذكر مجيء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة التي خلقه الله عليها 39
5 ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 45
6 ذكر تعليم جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة 53
7 وأما إقامة جبريل عليه السلام أوقات الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمه فيها 60
8 ذكر الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يستقبلها في صلاته 81
9 ذكر من قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة 94
10 فصل في ذكر الفضائل التي خص الله تعالى بها نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وشرفه بها على جميع الأنبياء 95
11 فأما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين 96
12 وأما مخاطبة الله له بالنبوة والرسالة، ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه 105
13 وأما دفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قرفه به المكذبون، ونهى الله تعالى العباد عن مخاطبته باسمه 108
14 وأما دفع الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرفه المكذبون له 111
15 وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطأ ولا زلة 112
16 وأما أخذ الله تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصروه إن أدركوه 116
17 وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلم 122
18 وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتى به 132
19 وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم 145
20 وأما أمر الكافة بالتأسي به قولا وفعلا 154
21 وأما اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى 167
22 وأما تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل تمام خلق آدم عليه السلام 169
23 ذكر التنويه بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمن آدم عليه السلام 187
24 وأما شرف أصله، وتكريم حسبه، وطيب مولده صلى الله عليه وسلم 204
25 وأما أن أسماءه خير الأسماء 216
26 وأما قسم الله تعالى بحياته صلى الله عليه وسلم 221
27 وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم 224
28 فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما وسلامه 241
29 وأما اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر 263
30 ذكر المقام المحمود الذي وعد الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم 288
31 تنبيه وإرشاد 292
32 إيضاح وتبيان 295
33 وأما حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر 297
34 وأما كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم 309
35 وأما الخمس التي أعطيها صلى الله عليه وسلم 311
36 وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزان الأرض 315
37 وأما تأييده بقتال الملائكة معه 319
38 وأما أنه خاتم الأنبياء 334
39 وأما أن أمته خير الأمم 338
40 وأما ذكره صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته صلى الله عليه وسلم 345
41 ثم جاءني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم 378
42 وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 379
43 ومن إعلامه في التوراة 385
44 ومن إعلامه في التوراة أيضا 386
45 ومن ذكر شعيا له 387
46 ومن ذكر شعيا له 388
47 وفي حكاية يوحنا عن المسيح 390
48 وفي إنجيل متى 391
49 وذكر شعيا طريق مكة فقال: 394
50 وأما سماع الأخبار بنبوته من الجن وأجواف الأصنام ومن الكهان 396