إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ١٧١
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة " الحديث. وله طرق (1)، قال أبو نعيم: وكان صلى الله عليه وسلم آخرهم في البعث، وبه ختمت النبوة، وهو

(١) باقي طرق الحديث في المرجع السابق، حديث رقم (٢٢)، (٢٣)، كلها بسياقات قريبة من بعضها مع التقديم والتأخير والزيادة والنقصان لكن بمعنى واحد، وذكره أبو نعيم في (الدلائل): ١ / ٤٩، باب ما روي في تقديم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل خلق آدم عليه السلام، حديث رقم (١١)، والنسائي في الجمعة، باب إيجاب يوم الجمعة، حديث رقم (١٣٦٦).
قال الحافظ السيوطي: قوله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون "، أي الآخرون زمانا، الأولون منزلة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة، بأنهم أول من يحشروا، وأول من يحاسب، وأول من يقضي بينهم، وأول من يدخل الجنة.
وقيل: المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، وقيل المراد به السبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا: (سمعا وعصينا)، والأول أقوى. " بيد " بموحدة ثم تحتية ساكنة مثل " غير " وزنا، ومعنى، وإعرابا، وبه جزم الخليل والكسائي، ورجحه ابن سيدة.
وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي رحمه الله، عن الربيع، عنه، أن معنى " بيد " من أجل، وكذا ذكره ابن حبان والبغوي، عن المزني عن الشافعي، وقد استبعده القاضي عياض، ولا بعد فيه.
والمعنى إنا سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة، مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم. ويشهد لهم ما في (فوائد المقري) بلفظ: نحن الآخرون في الدنيا، ونحن أول من يدخل الجنة، لأنهم أورثوا الكتاب من قبلنا. وقال الراوي: هي بمعنى " على " أو " مع ".
قال القرطبي: إن كانت بمعنى " غير " فنصب على الاستثناء، وإن كانت بمعنى " مع " فنصب على الظرف، وقال الطيبي: هي للاستثناء، وهي من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم. " أنهم أوتوا الكتاب قبلنا " اللام للجنس، والمراد التوراة والإنجيل: " وأوتيناه " المراد الكتاب، مرادا به القرآن، " وهذا اليوم الذي كتب الله عليهم "، أي فرض عليهم تعظيمه، " فاختلفوا فيه "، قال ابن بطال: ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن، وإنما يدل والله تعالى أعلم على أنه فرض عليه يوم الجمعة ووكل على اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أي الأيام هو، ولم يهتدوا ليوم الجمعة.
وقال النووي: يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا، هل يلزم تعيينه أو يسوغ إبداله بيوم الآخر، فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا. وقد روى ابن أبي حاتم عن السدي، في قوله تعالى: (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه)، قال: إن الله فرض على اليهود يوم الجمعة فأبوا وقالوا: يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا، فجعله عليهم.
قوله صلى الله عليه وسلم: " اليهود غدا والنصارى بعد غد "، قال القرطبي " غدا " منصوب على الظروف، وهو متعلق بمحذوف تقديره: اليهود يعظمون غدا وكذا بعد غد ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة، وقدر ابن مالك تقييد اليهود غدا. (حاشية الحافظ السيوطي على سنن النسائي): 3 / 95 - 96، كتاب الجمعة، باب إيجاب الجمعة، حديث رقم (1366).
وقال الإمام السندي: قواه صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون السابقون "، أي الآخرون زمانا في الدنيا، الأولون منزلة وكرامة يوم القيامة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة إياهم في الآخرة، بأنهم أول من يحشر، وأول من يحاسب، وأول من يقضي بينهم، وأول من يدخل الجنة.
وقيل: المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، وقيل: المراد بالسبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا: (سمعنا وعصينا).
قوله صلى الله عليه وسلم: " أوتوا الكتاب "، اللام للجنس، فيحمل بالنسبة إليهم على كتابهم، وبالنسبة إلينا على كتابنا، وهذا بيان زيادة شرف لنا، أي فصار كتابنا ناسخا لكتابهم، وشريعتنا ناسخة لشريعتهم، وللناسخ فضل على المنسوخ، فهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم.
أو المراد بيان أن هذا يرجع إلى مجرد تقدمهم علينا في الوجود، وتأخرنا عنه فيه، ولا شرف لهم فيه، أو هو شرف لنا أيضا من حيث قلة انتظارنا أمواتا في البرزخ، ومن حيث حيازة المتأخر علوم المتقدم دون العكس، فقولهم الفضل للتقدم ليس بكلي. قوله صلى الله عليه وسلم: " وهذا اليوم "، الظاهر أنه أوجب عليهم يوما بعينه والعبادة فيه، فاختاروا لأنفسهم أن يبدل الله لهم يوم السبت، فأجيبوا إلى ذلك، وليس بمستبعد من قوم وقالوا لنبيهم: (اجعل لنا إلها).
قوله صلى الله عليه وسلم: " فهدانا الله "، بالثبات عليه حين شرع لنا العبادة فيه، " اليهود غذا " أي يعبدون الله في يوم الجمعة. فأخذ المصنف قوله: " كتب الله "، الوجوب، والظاهر أن الحكم بالنظر إلى واحد، فحيث إن ذلك الحكم هو الوجوب بالنسبة إلى قوم تعين أنه الوجوب بالنظر إلى الآخرين، والله تعالى أعلم (المرجع السابق).
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 173 174 176 177 178 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر مجيء الملك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالات ربه تعالى 3
2 ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
3 ذكر الاختلاف في شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى كان وأين وقع؟ 32
4 ذكر مجيء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة التي خلقه الله عليها 39
5 ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 45
6 ذكر تعليم جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة 53
7 وأما إقامة جبريل عليه السلام أوقات الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمه فيها 60
8 ذكر الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يستقبلها في صلاته 81
9 ذكر من قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة 94
10 فصل في ذكر الفضائل التي خص الله تعالى بها نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وشرفه بها على جميع الأنبياء 95
11 فأما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين 96
12 وأما مخاطبة الله له بالنبوة والرسالة، ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه 105
13 وأما دفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قرفه به المكذبون، ونهى الله تعالى العباد عن مخاطبته باسمه 108
14 وأما دفع الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرفه المكذبون له 111
15 وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطأ ولا زلة 112
16 وأما أخذ الله تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصروه إن أدركوه 116
17 وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلم 122
18 وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتى به 132
19 وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم 145
20 وأما أمر الكافة بالتأسي به قولا وفعلا 154
21 وأما اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى 167
22 وأما تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل تمام خلق آدم عليه السلام 169
23 ذكر التنويه بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمن آدم عليه السلام 187
24 وأما شرف أصله، وتكريم حسبه، وطيب مولده صلى الله عليه وسلم 204
25 وأما أن أسماءه خير الأسماء 216
26 وأما قسم الله تعالى بحياته صلى الله عليه وسلم 221
27 وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم 224
28 فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما وسلامه 241
29 وأما اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر 263
30 ذكر المقام المحمود الذي وعد الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم 288
31 تنبيه وإرشاد 292
32 إيضاح وتبيان 295
33 وأما حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر 297
34 وأما كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم 309
35 وأما الخمس التي أعطيها صلى الله عليه وسلم 311
36 وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزان الأرض 315
37 وأما تأييده بقتال الملائكة معه 319
38 وأما أنه خاتم الأنبياء 334
39 وأما أن أمته خير الأمم 338
40 وأما ذكره صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته صلى الله عليه وسلم 345
41 ثم جاءني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم 378
42 وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 379
43 ومن إعلامه في التوراة 385
44 ومن إعلامه في التوراة أيضا 386
45 ومن ذكر شعيا له 387
46 ومن ذكر شعيا له 388
47 وفي حكاية يوحنا عن المسيح 390
48 وفي إنجيل متى 391
49 وذكر شعيا طريق مكة فقال: 394
50 وأما سماع الأخبار بنبوته من الجن وأجواف الأصنام ومن الكهان 396