رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة " الحديث. وله طرق (1)، قال أبو نعيم: وكان صلى الله عليه وسلم آخرهم في البعث، وبه ختمت النبوة، وهو
(١) باقي طرق الحديث في المرجع السابق، حديث رقم (٢٢)، (٢٣)، كلها بسياقات قريبة من بعضها مع التقديم والتأخير والزيادة والنقصان لكن بمعنى واحد، وذكره أبو نعيم في (الدلائل): ١ / ٤٩، باب ما روي في تقديم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل خلق آدم عليه السلام، حديث رقم (١١)، والنسائي في الجمعة، باب إيجاب يوم الجمعة، حديث رقم (١٣٦٦).
قال الحافظ السيوطي: قوله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون "، أي الآخرون زمانا، الأولون منزلة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة، بأنهم أول من يحشروا، وأول من يحاسب، وأول من يقضي بينهم، وأول من يدخل الجنة.
وقيل: المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، وقيل المراد به السبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا: (سمعا وعصينا)، والأول أقوى. " بيد " بموحدة ثم تحتية ساكنة مثل " غير " وزنا، ومعنى، وإعرابا، وبه جزم الخليل والكسائي، ورجحه ابن سيدة.
وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي رحمه الله، عن الربيع، عنه، أن معنى " بيد " من أجل، وكذا ذكره ابن حبان والبغوي، عن المزني عن الشافعي، وقد استبعده القاضي عياض، ولا بعد فيه.
والمعنى إنا سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة، مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم. ويشهد لهم ما في (فوائد المقري) بلفظ: نحن الآخرون في الدنيا، ونحن أول من يدخل الجنة، لأنهم أورثوا الكتاب من قبلنا. وقال الراوي: هي بمعنى " على " أو " مع ".
قال القرطبي: إن كانت بمعنى " غير " فنصب على الاستثناء، وإن كانت بمعنى " مع " فنصب على الظرف، وقال الطيبي: هي للاستثناء، وهي من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم. " أنهم أوتوا الكتاب قبلنا " اللام للجنس، والمراد التوراة والإنجيل: " وأوتيناه " المراد الكتاب، مرادا به القرآن، " وهذا اليوم الذي كتب الله عليهم "، أي فرض عليهم تعظيمه، " فاختلفوا فيه "، قال ابن بطال: ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن، وإنما يدل والله تعالى أعلم على أنه فرض عليه يوم الجمعة ووكل على اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أي الأيام هو، ولم يهتدوا ليوم الجمعة.
وقال النووي: يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا، هل يلزم تعيينه أو يسوغ إبداله بيوم الآخر، فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا. وقد روى ابن أبي حاتم عن السدي، في قوله تعالى: (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه)، قال: إن الله فرض على اليهود يوم الجمعة فأبوا وقالوا: يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا، فجعله عليهم.
قوله صلى الله عليه وسلم: " اليهود غدا والنصارى بعد غد "، قال القرطبي " غدا " منصوب على الظروف، وهو متعلق بمحذوف تقديره: اليهود يعظمون غدا وكذا بعد غد ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة، وقدر ابن مالك تقييد اليهود غدا. (حاشية الحافظ السيوطي على سنن النسائي): 3 / 95 - 96، كتاب الجمعة، باب إيجاب الجمعة، حديث رقم (1366).
وقال الإمام السندي: قواه صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون السابقون "، أي الآخرون زمانا في الدنيا، الأولون منزلة وكرامة يوم القيامة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة إياهم في الآخرة، بأنهم أول من يحشر، وأول من يحاسب، وأول من يقضي بينهم، وأول من يدخل الجنة.
وقيل: المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، وقيل: المراد بالسبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا: (سمعنا وعصينا).
قوله صلى الله عليه وسلم: " أوتوا الكتاب "، اللام للجنس، فيحمل بالنسبة إليهم على كتابهم، وبالنسبة إلينا على كتابنا، وهذا بيان زيادة شرف لنا، أي فصار كتابنا ناسخا لكتابهم، وشريعتنا ناسخة لشريعتهم، وللناسخ فضل على المنسوخ، فهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم.
أو المراد بيان أن هذا يرجع إلى مجرد تقدمهم علينا في الوجود، وتأخرنا عنه فيه، ولا شرف لهم فيه، أو هو شرف لنا أيضا من حيث قلة انتظارنا أمواتا في البرزخ، ومن حيث حيازة المتأخر علوم المتقدم دون العكس، فقولهم الفضل للتقدم ليس بكلي. قوله صلى الله عليه وسلم: " وهذا اليوم "، الظاهر أنه أوجب عليهم يوما بعينه والعبادة فيه، فاختاروا لأنفسهم أن يبدل الله لهم يوم السبت، فأجيبوا إلى ذلك، وليس بمستبعد من قوم وقالوا لنبيهم: (اجعل لنا إلها).
قوله صلى الله عليه وسلم: " فهدانا الله "، بالثبات عليه حين شرع لنا العبادة فيه، " اليهود غذا " أي يعبدون الله في يوم الجمعة. فأخذ المصنف قوله: " كتب الله "، الوجوب، والظاهر أن الحكم بالنظر إلى واحد، فحيث إن ذلك الحكم هو الوجوب بالنسبة إلى قوم تعين أنه الوجوب بالنظر إلى الآخرين، والله تعالى أعلم (المرجع السابق).