إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ١٥٠
عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو [بن عاص] (1) رضي الله [عنهما] (2) قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية [ليكونن] (3) في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، [وستفترق] (4) أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا من هي يا رسول الله؟ قال:
[من كان على] (5) ما أنا عليه وأصحابي. قال أبو عيسى: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (6). قال الترمذي: الإفريقي ضعيف عند أهل الحديث،

(١) تكملة من (جامع الأصول): ١٠ / ٣٣.
(٢) في (خ): " عنه ".
(٣) في (خ): " لكان ".
(٤) في (خ): " وتفترق "، والتصويب من المرجع السابق.
(٥) تكملة من المرجع السابق، حديث رقم ٧٤٩١.
(٦) قوله صلى الله عليه وسلم: " ليأتين على أمتي "، من الإتيان وهي المجئ بسهولة، وعدي بعلى لمعنى الغلبة المؤدية إلى الهلاك، ومنه قوله تعالى: (ما تذر من شئ أتت عليه) [الذاريات: ٤٢].
قوله صلى الله عليه وسلم: " حذو النعل بالنعل " استعارة في التساوي، وقيل: الحذو القطع والتقدير أيضا، يقال: حذوت النعل بالنعل إذا قدرت كل واحدة من طاقاتها على صاحبتها لتكونا على السواء، ونصبه على المصدر، أي يحذونهم حذوا مثل حذو النعل بالنعل، أي تلك مماثلة المذكورة في غاية المطابقة والموافقة، كمطابقة النعل بالنعل.
قوله صلى الله عليه وسلم: " حتى إذا كان منهم من أتى أمه "، حتى: ابتدائية، والواقع بعده جملة شرطية، وإتيان الأم كناية عن الزنا.
قوله صلى الله عليه وسلم: " وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة "، سمى صلى الله عليه وسلم طريقة كل واحد منهم " ملة " اتساعا، وهي في الأصل ما شرع الله لعباده على ألسنة أنبيائه ليتوصلوا به إلى القرب من حضرته تعالى، ويستعمل في جملة الشرائع دون آحادها، ولا تكاد توجد مضافة إلى الله تعالى، ولا إلى آحاد أمة النبي، بل يقال: ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو ملتهم كذا، إنه اتسعت فاستعملت في الملل الباطلة، لأنهم لما عظم تفرقهم، وتدنيت كل فرقة منهم بخلاف ما تدين به غيرها، كانت طريقة كل منهم كالملة، الحقيقية في التدين، فسميت باسمها مجازا.
وقيل: الملة كل فعل وقول اجتمع عليه جماعة، وهو قد يكون حقا وقد يكون باطلا، والمعنى أنهم يفترقون فرقا، تتدين كل واحدة منها بخلاف ما تتدين به الأخرى.
قوله صلى الله عليه وسلم: " وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة "، قيل: فيه إشارة لتلك المطابقة، مع زيادة هؤلاء في ارتكاب البدع بدرجة. وقوله صلى الله عليه وسلم: " إلا ملة "، بالنصب، أي إلا أهل ملة، " قالوا: من هي "؟ أي تلك الملة أي أهلها الناجية.
قوله: " هذا حديث حسن غريب "، في سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وهو ضعيف، فتحسين الترمذي له لاعتضاده بأحاديث الباب، وحديث عبد الله بن عمرو هذا أخرجه أيضا الحاكم وفيه: " ما أنا عليه اليوم وأصحابي ".
واعلم أن أصول البدع كما نقل في (المواقف) ثمانية:
[١] المعتزلة القائلون بأن العباد خالقوا أعمالهم، وبنفي الرؤية، وبوجوب الثواب والعقاب، وهم عشرون فرقة.
[٢] الشيعة المفرطون في محبة علي كرم الله وجهه وهم اثنان وعشرون فرقة.
[٣] الخوارج المفرطة المكفرة له رضي الله عنه، ومن أذنب كبيرة وهم عشرون فرقة.
[٤] المرجئة القائلة بأن لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهي خمس فرق.
[٥] والنجارية الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال، فرقة أيضا.
[٦] المعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام، وهم ثلاث فرق.
[٧] والجبرية القائلة بسلب الاختيار عن العباد فرقة واحدة.
[٨] والمشبه الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية والحلول. فرقة أيضا، فتلك ثلاث وسبعون فرقة، والفرقة الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية، والطريقة النقية الأحمدية. (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي): ٧ / ٣٣٣ - ٣٣٤، أبواب الإيمان باب (١٨) افتراق هذه الأمة، حديث رقم (٢٧٧٧٩).
وأخرجه أيضا الحاكم في (المستدرك): ١ / ١٢٩، حديث رقم (٤٤٤ / ١٥٥) ذكره في كتاب العلم. قال في التخليص: رواه ثابت بن محمد العابد، عن الثوري، عن ابن أنعم الإفريقي، عن عبد الله بن يزيد عنه. وقال إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا كثير بن عبد الله عمرو بن عوف بن يزيد، عن أبيه، عن جده مرفوعا: " لتسلكن سنن من قبلكم، إن بني إسرائيل افترقت.... " الحديث.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر مجيء الملك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالات ربه تعالى 3
2 ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
3 ذكر الاختلاف في شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى كان وأين وقع؟ 32
4 ذكر مجيء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة التي خلقه الله عليها 39
5 ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 45
6 ذكر تعليم جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة 53
7 وأما إقامة جبريل عليه السلام أوقات الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمه فيها 60
8 ذكر الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يستقبلها في صلاته 81
9 ذكر من قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة 94
10 فصل في ذكر الفضائل التي خص الله تعالى بها نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وشرفه بها على جميع الأنبياء 95
11 فأما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين 96
12 وأما مخاطبة الله له بالنبوة والرسالة، ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه 105
13 وأما دفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قرفه به المكذبون، ونهى الله تعالى العباد عن مخاطبته باسمه 108
14 وأما دفع الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرفه المكذبون له 111
15 وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطأ ولا زلة 112
16 وأما أخذ الله تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصروه إن أدركوه 116
17 وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلم 122
18 وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتى به 132
19 وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم 145
20 وأما أمر الكافة بالتأسي به قولا وفعلا 154
21 وأما اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى 167
22 وأما تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل تمام خلق آدم عليه السلام 169
23 ذكر التنويه بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمن آدم عليه السلام 187
24 وأما شرف أصله، وتكريم حسبه، وطيب مولده صلى الله عليه وسلم 204
25 وأما أن أسماءه خير الأسماء 216
26 وأما قسم الله تعالى بحياته صلى الله عليه وسلم 221
27 وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم 224
28 فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما وسلامه 241
29 وأما اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر 263
30 ذكر المقام المحمود الذي وعد الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم 288
31 تنبيه وإرشاد 292
32 إيضاح وتبيان 295
33 وأما حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر 297
34 وأما كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم 309
35 وأما الخمس التي أعطيها صلى الله عليه وسلم 311
36 وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزان الأرض 315
37 وأما تأييده بقتال الملائكة معه 319
38 وأما أنه خاتم الأنبياء 334
39 وأما أن أمته خير الأمم 338
40 وأما ذكره صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته صلى الله عليه وسلم 345
41 ثم جاءني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم 378
42 وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 379
43 ومن إعلامه في التوراة 385
44 ومن إعلامه في التوراة أيضا 386
45 ومن ذكر شعيا له 387
46 ومن ذكر شعيا له 388
47 وفي حكاية يوحنا عن المسيح 390
48 وفي إنجيل متى 391
49 وذكر شعيا طريق مكة فقال: 394
50 وأما سماع الأخبار بنبوته من الجن وأجواف الأصنام ومن الكهان 396