(1) (المرجع السابق): 11 / 383، كتاب الرقاق، باب (26) الانتهاء عن المعاصي، حديث رقم (6482).
قوله صلى الله عليه وسلم: " ما بعثني الله "، العائد محذوف، والتقدير بعثني الله به إليكم.
قوله صلى الله عليه وسلم: " أتى قوما " التنكير فيه لشيوع.
قوله صلى الله عليه وسلم: " بعيني "، بالإفراد، وللكشميهني بالتثنية بفتح النون والتشديد، قيل: ذكر العينين إرشادا إلى أنه تحقق عنده ما أخبر عنه، تحقق من رأى شيئا بعينه، لا يعتريه وهم، ولا يخالطه شك.
قوله صلى الله عليه وسلم: " وإني أنا النذير العريان "، قال ابن بطال: النذير العريان، رجل من خثعم، حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة، فقطع يده ويد امرأته، فانصرف إلى قومه فحذرهم، فضرب به المثل في تحقيق الخبر.
قال الحافظ في الفتح: وسبق إلى ذلك يعقوب ابن السكيت وغيره، وسمي الذي حمل عليه (عوف ابن عامر اليشكري)، وأن المرأة كانت من بني كنانة، وتعقب باستبعاد تنزيل هذه القصة على لفظ الحديث، لأنه ليس فيها أنه كان عريانا.
وزعم ابن الكلبي أن النذير العريان امرأة من بني عامر بن كعب، لما قتل المنذر بن ماء السماء أولاد أبي داود - وكان جار المنذر - خشيت على قومها، فركب جملا ولحقت بهم وقالت: أنا النذير العريان.
ويقال: أول من قاله أبرهة الحبشي لما أصابته الرمية بتهامة وقد سقط لحمه. وذكر أبو بشر الآمدي:
أن زنبرا - بزاي ونون ساكنة ثم موحدة - ابن عمر الخثعمي، كان ناكحا في آل زبيد، فأرادوا أن يغزو قومه، وخشوا أن ينذر بهم، فحرسه أربعة، فصادف منهم غرة، فقذف ثيابه وعدا، وكان من أشد الناس عدوا فأنذر قومه.
وقال غيره: الأصل فيه أن رجلا لقي جيشا فسلبوه وأسروه، فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش فسلبوني، فرأوه عريانا فتحققوا صدقه، لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة، ولا جرت عادته بالتعري، فقطعوا بصدقه لهذه القرائن، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولما جاء به مثلا بذلك، لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقه، تقريبا لأفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه.
ويؤيد ما أخرجه الرامهرمزي في الأمثال، وعند أحمد أيضا بسند جيد، من حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فنادى ثلاث مرات: أيها الناس مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم، فبعثوا رجلا يترايا لهم، فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو، فأقبل لينذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه أيها الناس أتيتم ثلاث مرات ". وأحسن ما فسر به الحديث من الحديث.
وأخرجه أبو الشيخ بنحوه في كتاب (الأمثال في الحديث النبوي)، وقال: رجاله رجال الصحيح.
ص 297، حديث رقم (253).
وهذا كله يدل على أن العريان من التعري، وهو المعروف في الرواية.
قوله صلى الله عليه وسلم: " فالنجاء النجاء "، بالمد فيهما وبمد الأولى وقصر الثانية، بالقصر فيهما تخفيفا، وهو منصوب على الإغراء، أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب، إشارة إلى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك الجيش. قال الطيبي: في كلامه أنواع من التأكيدات:
* أحدها: " بعيني ". * ثانيها: " وإني أنا ". * ثالثها: " العريان "، لأنه الغاية في قرب العدو، ولأنه الذي يختص في إنذاره بالصدق.
قوله: " فأطاعه طائفة "، كذا فيه بالتذكير، لأن المراد بعض القوم.
قوله: " فأدلجوا "، بهمزة قطع ثم سكون، أي ساروا أول الليل، أو ساروا الليل كله، على الاختلاف في مدلول هذا اللفظة.
قوله: " على مهلهم "، بفتحتين، والمراد به الهينة والسكون، وبفتح أوله وسكون ثانيه الإمهال، وليس مرادا هنا، وفي رواية مسلم " على مهلتهم " بزيادة تاء التأنيث، وضبطه النووي بضم الميم والسكون الهاء وفتح اللام.
قوله: " وكذبته طائفة "، قال الطيبي: عبر في الفرقة الأولى بالطاعة، وفي الثانية بالتكذيب، ليؤذن بأن الطاعة مسبوقة بالتصديق، ويشعر بأن التكذيب مستتبع للعصيان.
قوله: " فصبحهم الجيش "، أي أتاهم صباحا، هذا أصله، ثم كثر استعماله، حتى استعمل فيمن طرق بغتة في وقت كان.
قوله: " فاجتاحهم "، بجيم ثم حاء مهملة، أي استأصلهم، من جحت الشئ أجوحه إذا استأصلته، والاسم: الجائحة، وهي الهلاك، وأطلقت على الآفة لأنها مهلكة.
قال الطيبي: شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بالرجل، وإنذاره بالعذاب القريب بإنذار الرجل قومه بالجيش المصبح، وشبه من أطاعه من أمته ومن عصاه، بمن كذب الرجل في إنذاره ومن صدقه.