إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ١٣٩
وفي كتاب الرقاق (1).

(1) (المرجع السابق): 11 / 383، كتاب الرقاق، باب (26) الانتهاء عن المعاصي، حديث رقم (6482).
قوله صلى الله عليه وسلم: " ما بعثني الله "، العائد محذوف، والتقدير بعثني الله به إليكم.
قوله صلى الله عليه وسلم: " أتى قوما " التنكير فيه لشيوع.
قوله صلى الله عليه وسلم: " بعيني "، بالإفراد، وللكشميهني بالتثنية بفتح النون والتشديد، قيل: ذكر العينين إرشادا إلى أنه تحقق عنده ما أخبر عنه، تحقق من رأى شيئا بعينه، لا يعتريه وهم، ولا يخالطه شك.
قوله صلى الله عليه وسلم: " وإني أنا النذير العريان "، قال ابن بطال: النذير العريان، رجل من خثعم، حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة، فقطع يده ويد امرأته، فانصرف إلى قومه فحذرهم، فضرب به المثل في تحقيق الخبر.
قال الحافظ في الفتح: وسبق إلى ذلك يعقوب ابن السكيت وغيره، وسمي الذي حمل عليه (عوف ابن عامر اليشكري)، وأن المرأة كانت من بني كنانة، وتعقب باستبعاد تنزيل هذه القصة على لفظ الحديث، لأنه ليس فيها أنه كان عريانا.
وزعم ابن الكلبي أن النذير العريان امرأة من بني عامر بن كعب، لما قتل المنذر بن ماء السماء أولاد أبي داود - وكان جار المنذر - خشيت على قومها، فركب جملا ولحقت بهم وقالت: أنا النذير العريان.
ويقال: أول من قاله أبرهة الحبشي لما أصابته الرمية بتهامة وقد سقط لحمه. وذكر أبو بشر الآمدي:
أن زنبرا - بزاي ونون ساكنة ثم موحدة - ابن عمر الخثعمي، كان ناكحا في آل زبيد، فأرادوا أن يغزو قومه، وخشوا أن ينذر بهم، فحرسه أربعة، فصادف منهم غرة، فقذف ثيابه وعدا، وكان من أشد الناس عدوا فأنذر قومه.
وقال غيره: الأصل فيه أن رجلا لقي جيشا فسلبوه وأسروه، فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش فسلبوني، فرأوه عريانا فتحققوا صدقه، لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة، ولا جرت عادته بالتعري، فقطعوا بصدقه لهذه القرائن، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولما جاء به مثلا بذلك، لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقه، تقريبا لأفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه.
ويؤيد ما أخرجه الرامهرمزي في الأمثال، وعند أحمد أيضا بسند جيد، من حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فنادى ثلاث مرات: أيها الناس مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم، فبعثوا رجلا يترايا لهم، فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو، فأقبل لينذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه أيها الناس أتيتم ثلاث مرات ". وأحسن ما فسر به الحديث من الحديث.
وأخرجه أبو الشيخ بنحوه في كتاب (الأمثال في الحديث النبوي)، وقال: رجاله رجال الصحيح.
ص 297، حديث رقم (253).
وهذا كله يدل على أن العريان من التعري، وهو المعروف في الرواية.
قوله صلى الله عليه وسلم: " فالنجاء النجاء "، بالمد فيهما وبمد الأولى وقصر الثانية، بالقصر فيهما تخفيفا، وهو منصوب على الإغراء، أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب، إشارة إلى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك الجيش. قال الطيبي: في كلامه أنواع من التأكيدات:
* أحدها: " بعيني ". * ثانيها: " وإني أنا ". * ثالثها: " العريان "، لأنه الغاية في قرب العدو، ولأنه الذي يختص في إنذاره بالصدق.
قوله: " فأطاعه طائفة "، كذا فيه بالتذكير، لأن المراد بعض القوم.
قوله: " فأدلجوا "، بهمزة قطع ثم سكون، أي ساروا أول الليل، أو ساروا الليل كله، على الاختلاف في مدلول هذا اللفظة.
قوله: " على مهلهم "، بفتحتين، والمراد به الهينة والسكون، وبفتح أوله وسكون ثانيه الإمهال، وليس مرادا هنا، وفي رواية مسلم " على مهلتهم " بزيادة تاء التأنيث، وضبطه النووي بضم الميم والسكون الهاء وفتح اللام.
قوله: " وكذبته طائفة "، قال الطيبي: عبر في الفرقة الأولى بالطاعة، وفي الثانية بالتكذيب، ليؤذن بأن الطاعة مسبوقة بالتصديق، ويشعر بأن التكذيب مستتبع للعصيان.
قوله: " فصبحهم الجيش "، أي أتاهم صباحا، هذا أصله، ثم كثر استعماله، حتى استعمل فيمن طرق بغتة في وقت كان.
قوله: " فاجتاحهم "، بجيم ثم حاء مهملة، أي استأصلهم، من جحت الشئ أجوحه إذا استأصلته، والاسم: الجائحة، وهي الهلاك، وأطلقت على الآفة لأنها مهلكة.
قال الطيبي: شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بالرجل، وإنذاره بالعذاب القريب بإنذار الرجل قومه بالجيش المصبح، وشبه من أطاعه من أمته ومن عصاه، بمن كذب الرجل في إنذاره ومن صدقه.
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 138 139 140 141 144 145 146 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر مجيء الملك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالات ربه تعالى 3
2 ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
3 ذكر الاختلاف في شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى كان وأين وقع؟ 32
4 ذكر مجيء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة التي خلقه الله عليها 39
5 ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 45
6 ذكر تعليم جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة 53
7 وأما إقامة جبريل عليه السلام أوقات الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمه فيها 60
8 ذكر الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يستقبلها في صلاته 81
9 ذكر من قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة 94
10 فصل في ذكر الفضائل التي خص الله تعالى بها نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وشرفه بها على جميع الأنبياء 95
11 فأما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين 96
12 وأما مخاطبة الله له بالنبوة والرسالة، ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه 105
13 وأما دفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قرفه به المكذبون، ونهى الله تعالى العباد عن مخاطبته باسمه 108
14 وأما دفع الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرفه المكذبون له 111
15 وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطأ ولا زلة 112
16 وأما أخذ الله تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصروه إن أدركوه 116
17 وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلم 122
18 وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتى به 132
19 وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم 145
20 وأما أمر الكافة بالتأسي به قولا وفعلا 154
21 وأما اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى 167
22 وأما تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل تمام خلق آدم عليه السلام 169
23 ذكر التنويه بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمن آدم عليه السلام 187
24 وأما شرف أصله، وتكريم حسبه، وطيب مولده صلى الله عليه وسلم 204
25 وأما أن أسماءه خير الأسماء 216
26 وأما قسم الله تعالى بحياته صلى الله عليه وسلم 221
27 وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم 224
28 فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما وسلامه 241
29 وأما اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر 263
30 ذكر المقام المحمود الذي وعد الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم 288
31 تنبيه وإرشاد 292
32 إيضاح وتبيان 295
33 وأما حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر 297
34 وأما كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم 309
35 وأما الخمس التي أعطيها صلى الله عليه وسلم 311
36 وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزان الأرض 315
37 وأما تأييده بقتال الملائكة معه 319
38 وأما أنه خاتم الأنبياء 334
39 وأما أن أمته خير الأمم 338
40 وأما ذكره صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته صلى الله عليه وسلم 345
41 ثم جاءني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم 378
42 وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 379
43 ومن إعلامه في التوراة 385
44 ومن إعلامه في التوراة أيضا 386
45 ومن ذكر شعيا له 387
46 ومن ذكر شعيا له 388
47 وفي حكاية يوحنا عن المسيح 390
48 وفي إنجيل متى 391
49 وذكر شعيا طريق مكة فقال: 394
50 وأما سماع الأخبار بنبوته من الجن وأجواف الأصنام ومن الكهان 396