فإجماع الصحابة المعلوم منهم قطعا على اتباعه والتأسي بما يفعله في كل ما يفعله من قليل أو كثير، وصغير أو كبير، لما عندهم في ذلك توقف ولا بحث، حتى أعماله عليه السلام في السر والخلوة يحرصون على العلم بها وعلى اتباعها، علم بهم صلى الله عليه وسلم أو لم يعلم.
والثاني: أنا لو سلمنا بعدم العصمة - وحاش لله - فإنه لا يناسب ما تشير إليه الآية من التعظيم والامتنان، وجعل ذلك غاية الفتح المبين، المقرون بالتعظيم، فحمله على ذلك مخل بالبلاغة، والمعنى الذي حملنا عليه الآية يناسب البلاغة، فوجب المصير إليه، وقوله: ﴿وينصرك الله نصرا عزيزا﴾ (١) أعيد لفظه لما بعد عما عطف عليه، وليكون المبتدأ والمنتهي بالاسم الظاهر، والضميران في الوسط، وأتت هذه النعم الأربع بلفظ الغيبة، وجاء الفتح قبلها بضمير المتكلم تعظيما لأمر الفتح، لأن المغفرة وإن كانت عظيمة فهي عامة، قال تعالى: ﴿ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ (٢) وكذلك إتمام النعمة، قال تعالى: ﴿وأتممت عليكم نعمتي﴾ (٣)، وهكذا الهداية، قال: تعالى: ﴿يهدي من يشاء﴾ (٤)، ومثله النصر، قال تعالى:
﴿إنهم لهم المنصورون﴾ (٥)، وأما الفتح: فإنه لم يتفق لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل في الاسم مع النصر: إنه تعظيم له، ولهذا قل ما ذكر الله تعالى النصر من غير إضافة إليه أو اقتران باسمه ليطمئن القلب بذكر الله تعالى، فيحصل الصبر، وبه يحصل النصر، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وقال سفيان عن عيينة قال: عن ميسرة قال ابن عبد الله: أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب، قال تعالى: ﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم﴾ (6)، وقال عبد الله بن يزيد المصري: ليس هذا لنبي قبله ولا بعده، يعني قوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) (6)، فبدأ سبحانه بالعفو قبل العقاب. * * *