أبيض يرفرف حولها. فلما أصبح غدا بالرأس إلى ابن زياد.
و قيل: بل الذي حمل الرؤوس كان شمر وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعروة بن قيس، فجلس ابن زياد وأذن للناس فأحضرت الرؤوس بين يديه وهو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة، فلما رآه زيد بن الأرقم لا يرفع قضيبه قال: أعل هذا القضيب عن هاتين الثنتين، فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله، صلي الله عليه وسلم، على هاتين الشفتين يقبلهما! ثم بكى، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك! فوالله لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. فخرج وهو يقول: أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلهم ابن فاطمة، وأمرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم، فرضيتم بالذل، فبعدا لمن يرضي بالذل!
* * * فأقام عمر بعد قتله يومين ثم ارتحل إلى الكوفة وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان، وعلي بن الحسين مريض، فاجتازوا بهم على الحسين وأصحابه صرعي، فصاح النساء ولطمن خدودهن، وصاحت زينب أخته: يا محمداه، صلي عليك ملائكة السماء! هذا الحسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا فأبكت كل عدو وصديق.
فلما أدخلوهم على ابن زياد لبست زينب أرذل ثيابها وتنكرت وحفت بها إماؤها، فقال عبيد الله: من هذه الجالسة؟ فلم تكلمه، فقال ذلك ثلاثا وهي لا تكلمه، فقال بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة. فقال لها ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا، لا كما تقول، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب