فلما وصل عبد الله إلى بست أرسل رتبيل يطلب الصلح وبذل ألف ألف وبعث إليه بهدايا ورقيق فأبى عبد الله قبول ذلك وقال إن ملأ لي هذا الرواق ذهبا وإلا فلا صلح وكان غرا فخلى له رتبيل البلاد حتى أوغل فيها وأخذ عليه الشعاب والمضايق فطلب أن يخلى عنه وعن المسلمين ولا يأخذ منه شيئا فأبى رتبيل وقال بل يأخذ ثلاثمائة ألف درهم صلحا ويكتب لنا به كتابا ولا يغزو بلادنا ما كنت أميرا ولا يحرق ولا يخرب ففعل وبلغ ذلك عبد الملك فعزله.
ذكر ولاية حسان بن النعمان أفريقية قد ذكرنا ولاية زهير بن قيس سنة اثنتين وستين وكان قتله سنة تسعة وستين فلما علم عبد الملك قتله عظم عليه وعلى المسلمين وأهمه ذلك وشغله عن أفريقية ما كان بينه وبين ابن الزبير فلما قتل ابن الزبير واجتمع المسلمون عليه جهز جيشا كثيرا واستعمل عليهم وعلى إفريقية حسان بن النعمان الغساني وسيرهم إليها في هذه السنة فلم يدخل إفريقية قط جيش مثله.
فلما ورد القيروان تجهز منها وسار إلى قرطاجنة وكان صاحبها أعظم ملوك إفريقية ولم يكن المسلمون قط حاربوها فلما وصل إليها رأى بها من الروم والبربر ما لا يحصى كثرة فقاتلهم وحصرهم وقتل منهم كثيرا، فلما رأوا ذلك اجتمع رأيهم على الهرب فركبوا في مراكبهم وسار بعضهم إلى صقلية وبعضهم إلى الأندلس ودخلها حسان بالسيف فسبى ونهب وقتلهم قتلا ذريعا وأرسل الجيوش فيما حولها فأسرعوا إليه خوفا فأمرهم فهدموا من قرطاجنة ما قدروا عليه.